إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

النص الشعري عند عبد الرحمن بوعلي: من الذات إلى الواقع





النص الشعري عند عبد الرحمن بوعلي: من الذات إلى الواقع 
محمد دخيسي
حين نكون أمام تكريم لشاعر معين، نحتار أول الأمر في الكيفية التي نصل بها إلى إلمام كلي وسريع لإنتاجه الشعري. وإن كنا شغوفين بملامسة النص الشعري،
فذلك يخضع لسلطة اللحظة الإبداعية من جهة ولحظة التقبل من ناحية اخرى. إذ تثبُت العلاقة الثنائية بين النتيجتين.
سؤال الاهتمام بشعر شاعر تمتنع معه الدراسة إن كان الغرض الوقوف عند نواح محددة ، والسعي وراء التشظي المنوع للدلالات، ومن هذا المنطلق ارتأيت أن أقف عند نموذج لشعر عبد الرحمن بوعلي من خلال "ديوان المغرب الشرقي" الجزء الأول الذي صدر عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة. يعود هذا الاختيار أولا إلى محاولة الوصول إلى خصوصية الشاعر على مستوى التعامل الحر مع النص الشعري، ومن جهة التمرس المستمر في حمل التجربة الشعرية من الخاص إلى العام إلى عمومية التمثيل الشعري. أو لنقل من الذاتي إلى الموضوعي مرورا  بالواقع الذاتي المشترك.
إن التنقل بين هذه االعناصر شكل في نظرنا نقطة التميز في شعر عبد الرحمن بوعلي، وما امتثاله للتنبؤ الذاتي عن الأحوال الشخصية والعامة سوى دليل على هذا المستوى من التجريب.
لا يقدم النص كل معناه كما قال الدكتور محمد مفتاح، كما أن القصيدة جزء من تجربة الشاعر،  ومداومته على الممارسة الإبداعية والتنظيرية. من هذا المنطلق سوف نشتغل على قصيدة رأينا فيها نوعا من التاكامل على مستوى التخلص من الذاتية ومناجاة الوقائع في صورة تشكيلية موحدة. القصيدة بعنوان (مرثية لمجنون سيناء) كتبت سنة 1986 .
إن النص ذاته لا تكتمل رؤاه عند الدلالات التي تثبت بين سطوره، لذلك فالتحول من المقال إلى المحال سمة في الشعر المعاصر، وقد كان لسلطة الرثاء دور في إبراز ناحيتين أساسيتين في النص:
أولاهما: ملاءمة النص للحالة التي يمكن أن تمثل ذات الشاعر، يقول :
هو البحر أيقظ فيك الرصاص
قصيدتنا لا تجيء وأحزاننا لا تجيء ( ص 111)
ثانيهما: ارتباط النص بالمتغيرات الموضوعية المتعلقة بالتحولات السياسية من جهة، والتطور الإبداعي من ناحيتة أخرى، إذ تم التداخل بين ذاتين: ذات الشاعر عبد الرحمن بوعلي ، وذات الشهيد سليمان خاطر، وأصبح النشيد نجوى يخاطب بها المبدع ذات الآخر ليقول معه:
وإني رأيتك في المنام
رأيت قبور الذين قضوا نحبهم،
ورأيت مرايا المكسرة والحطام
وطائرة تقذفنا من بعيد( ص 115)
من هنا كان سير العملية الإبداعيةمتوافق والشكل الحياتي حيال الوقائع والتطورات. كما أن الإنتاج الشعري واكب السيرورة و الصيرورة العربية، في بعديها الزماني والمكاني، وقد حاول الشاعر عبد الرحمن بوعلي أن يوقظ الهمم الشعورية بتبني موقف المستفز لركود الحالة والأحوال، يقول:
أشير إلى غيمة في السماء
أشير إلى الأرض والشمس والأقحوان
فيأتي الصدى من هناك،
لماذا تباع الوجوه ؟ تباع المرايا ؟ ( ص- 114)
فيتحول الشاعر من دور المحفز إلى دور المسائل والمتسائل. لهذا عقدنا الصلة منذ البداية مع هذا النص باعتبارة صورة مجسمة للذات والواقع على طاولة المفاوضات. كما أن العلاقة بالآخر لم تنهج سمة المثول البعيد والمتراخي ، بقدر  ما ركزت على الاهتمام بالتنديد والشجب بالممارسات اللاإنسانية التي أودت بدم الفقراء والمساكين، لأن حداده طويل والشهداء لا زالوا في تلك الفترة الزمنية وفي كل الأزمنة العربية، يقول:
وإني أقيم الحداد على شرفات بينك: "إتيس"
وأعلم أن حدادي طويل … طويل
فيا أيها الياسمين تقدم،
وياأيها الأرخبيل تقدم،
ويا أيها المستحيل تقدم، ويا أيها العربي الجميل … تقدم،
فكل البلاد امتداد لهذا الزيف، الجميل.( ص- 119)
إن تعامل الشاعر عبد الرحمن بوعلي مع هذه الواقعة الحزينة، كان منطلقه الأساس هو الذات الشاعرة، لذلك استساغ الأبعاد الثلاثية السالفة الذكر ( الذات ، الذات المشتركة ، والواقع ) كما أن المنتدى الفكري الذي أصدر به مناجاته لم يخل من التقنيات الشكلية ذات السمات الفنية، من مناجاة الآخر ( الشهيد) إلى الحديث عن سلطة الواقع .
لذلك يمكن أن تكون صورة سليمان خاطر هي صورة العربي المتشرد في حياته والشهيد في نهاية مطافه،  والتساؤل يصبح مباحا حول جدوى البكاء على الأطلال ما دام  الواقع العربي مترهلا ، فيتساءل:
لماذا العواصم أخفت يديها وأعلت زوايا الظلام ؟
لماذا يبيع المسافر أحزانه ثم يخفي على صدره حشرجات الأماني.. ( ص- 114)
ذ- محمد دخيسي أبو اسامة

ليست هناك تعليقات: