أعدني إلى رحم المحبرة
عبد الرحمن بوعلي
1
تقتربُ الساعة ُ منْ حافةِ نبض ِ القلبِ وتصغي ..
لدم ِ المحبرةِ المنقوع ِ بدمع ِ الزهر ِ.
وحيداً أهربُ منْ أيامي
ووحيداً أدخلُ في جذبةِ هذا البحر ِ،
أقولُ وقدْ أوشك أنْ يسقطَ هذا السقفُ العالي:
ها همْ أهلي قدْ سكنوا أوديةً
وأقاموا في الليل ِ المجنون ِ
وحيدينَ كغزلان ٍ يهرشها السيلُ
وها هي صولتهمْ يكسرها البحرُ
وتذريها الريحُ
ويرميها خلف مضاربهمْ..
بين نجودٍ تتنفسُ
منْ فرطِ الحرِّ هسيساً
من ريح ِ اليحمومْ.
ها همْ أهلي…
يقتربون منَ الشجر ِ الوارفِ
أولهمْ حلمٌ ورحيقُ الزهر ِ
وآخرهمْ ألقٌ كاسرْ،
ها همْ أهلي
يقتربون منَ الساعةِ
كالشفق ِ الأحمر ِ
في ليلٍ عابرْ.
2
تقتربُ الساعة ُ من حافةِ نبض ِ القلبِِ
قليلا ً، ثم قليلا ً، ثم قليلا ً،
حتى توشك أنْ تسقط َ في الغيم،
فيهوي حائطها فوق سياج ٍ
أبدأ في عدِ الأفراح ِ لأحصيها
كيْ أعبرَ هذا التيهَ
كما يعبرُ عمري صحراءَ الشرق ِ.
يداخلني شوق يأتيني
من خللِ الأبوابِ الموصودةِ
ها إني أفتحُ جرحي لكلابِ الصيدِ،
وأغلقُ بابَ القلبِ
على مهلٍ
أغلقُ بابَ القلبِ
وحيداً ..
كدم ٍ أوغلَ في الإشراق ِ
على إسفلتٍ منقوع ٍ بالماءْ.
3
تقتربُ الساعة ُ منْ حافةِ نبض ِ القلبِ
أقولُ تبارك هذا الوقتُ النازلُ منْ ملكوتِ الكون ِ
تبارك هذا الخلقُ
تبارك هذا الخالقُ منْ أعطاني هبة ً
وتنزلَ منْ علياءِ الروحِ ليسكنَ فيَّ النورَ.
أمامي ترقدُ أزهارٌ
وأمامي يعبرُ بحرٌ خلجانَ الشوق ِ
أتيهُ كما العابر ِ فوق الجرح ِ،
أعاودُ نسجَ خيوطي
وأرتبُ أوراقي
علّ الريحَ تمرُّ بعيداً عني.
فيا قلبُ تمهلْ
حتى يعبرَ عمري هذا الليلَ المجنونَ
ويملأ بالحبِّ تجاعيدَ الزمنِ الفاني
يا قلبُ تريثْ
حتى تقتربَ الساعة ُ
منْ حافةِ نبض ِ القلبِ
فأملأ صدري بعبير ِ الوردِ
ورائحةِ الجنةِ والوقتْ.
4
تقتربُ الساعة ُ
منْ حافةِ نبض ِ القلبِ
أقولُ ..
تضاءلَ هذا العالمُ حولي
وتجبرَ هذا الليلُ المحمومُ
وهذا السقفُ المكلومُ
وهذا الجسدُ الفاني
وعلتْ ريحٌ
في أروقةِ الوقتِ الغرثى
وبكتْ محبرتي
منْ فرطِ الحيرةِ والنسيانْ.
5
آهٍ، كمْ أقلقني
غيمٌ سافر في أقصى الصحراءِ
وكمْ أخجلني صمتٌ آخى بين الزهرةِ والماءِ
وكمْ أوهمني حجرٌ عانق زهرتهُ ثمّ بكى
منْ فرطِ الدهشةِ والعشق ِ.
وكمْ آزرني سدرٌ في الفيفاءِ
وطيرٌ رتقَ بالخيطِ
ثقوبَ البابِ الموصدِ خلفي.
آه، كمْ راقصني حلمٌ
بالتيهِ الوارفِ في أروقةِ الوقتِ
وشاكسني ضوءٌ
يأتي منْ خلفِ أساورَ منْ ثلج ٍ
وأباريقَ منَ الدفلى.
كمْ عانقني.. شجرٌ وظلالٌ ورمادْ
وغيومٌ تجري في ألق ِ الكون ِ
وكمْ صاحبني عشقٌ مجنونٌ
وصهيلٌ..
وعويلٌ ومواءْ.
6
آهٍ يا حجرَ الوصل ِ
ويا حجرَ الأحبابِ
ويا حجرَ الوهم ِ ويا حجرَ الأصحابِ
ويا حجرَ الحبِّ ويا حجرَ الأعتابِ
أعدني …. لدم ِ المحبرةِ المنقوع ِ بدمع ِ الحبِّ
أعدني .. للفرح ِ الدائم ِ والحبِّ
أعدني ..
للعشبِ النابتِ في عتباتِ البابِ
ولنافذةٍ أوصدها البحرُ أمامي،
ولمقبرةِ الروح ِ..
أعدني يا حجرَ الوصل ِ
أعدني … لدم ِ المحبرةِ التائهِ والمجنونْ.
السعيدية دجنبر 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق