إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

غرناطة تاريخ لا ينسى

غرناطة تاريخ لا ينسى




عبد الرحمن بوعلي
غرناطة 24-05-2008


هناك مدن لها عبق لا يقاوم ولها تاريخ، ومن هذه المدن مدينة غرناطة التي هي التاريخ بذاته،بقعة رائعة من الأرض تستقبلك وأنت قادم إليها من أقصى الأرض، وتحضنك كما لم تحضن أم إبنها. وهي وإن كانت آخر الممالك التي سقطت من الأندلس بعد أن ظلت تقاوم وحدها أكثر من مائة عام ، وسقطت في الأخير فإنها لا تزال تعبق بالأريج العربي. الشاعر الإسباني فريديريكو غارسيا لوركا قال عنها بحق: (إن غرناطة تقف على جبلها وحيدة منعزلة. ليس لها بحر ولا نهر). ومع ذلك فغرناطة رائعة روعة لا يمكن تصورها. كنت منذ زمان رغم زيارتي السابقة لها أشتاق للعيش في أحيائها العربية القديمة، حي البيازين مثلا الذي لا شك أنه لا يزال يحتفظ بتاريخ عبق ورائق، وجاءت الفرصة ، لأروي عطشي منها ، عندما وصلت غرناطة قصدت حي (البيازين) الذي لم يتغير اسمه القديم رغم الزمان. وعندما وصلت وجدت بعضا من غرناطة التي كنت أسمع عنها، مازالت تنتمي إلى تراث المدينة العربية القديمة، الأسماء التي تحملها والدروب التي تتقاطع فيها ، والشوارع الضيقة المرصوفة بالأحجار الصغيرة، وبيوتها العتيقة بما عليها من اصص للأزهار، ما يجعلها مختلفة عن كتب الثراث هي كثرة تلك الكنائس التي ترفع صلبانها فوق جدران المساجد القديمة، وقفت عند إحدى البقالات لتناول بعض المرطبات، صعدت إلى درب ضيق مرصوف بالأحجار، وبدأت المدينة تتكشّف أمامي من أعلى، رابضة هي في عمق الوادي الأخضر، تحيط بها جبال سيرانيفادا الشهيرة، كان المشهد ساحر الجمال، والمدينة القديمة تبدو وسط جوهرة نظيفة وهادئة، وعلى أطراف التلال تقف صفوف من الزوار، وأسراب من العشاق وبعض الرسامين. يحاولون استلهام تراث الموريسيكين، أهل الأندلس القديمة الذين أرغموا على ترك مدينتهم.لم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة بين غرناطة القديمة، ومدينة فاس القديمة أو تطوان أو شفشاون أيضا، فقد سكن المدن الناس أنفسهم، فبعد أن ُطرد أهل غرناطة لجأ الجزء الأكبر منهم إلى فاس وتطوان وشفشاون، وهم يحملون مفاتيح بيوتهم القديمة وأحلامهم الغامضة بالعودة إليها، صنعوا من فاس وتطوان وشفشاون مدنا على شاكلة هذا الحلم الغامض. ولكن غرناطة الآن رغم قدمها مازالت فتية، رائعة وفريبة من القلب . عندما كنت أتجول في غرناطة بدا كأنني أنتقل إلى عالم آخر. كان (وادي شينيل) الذي يحيط بغرناطة يمتد أمامي مليئا بأشجار الفواكه، وعلى القمة الأخرى المقابلة لي تماماً كان أعظم أثر إسلامي في إسبانيا يربض أمامي ، قصر الحمراء بأسواره وأبراجه القديمة، ومنارته التي تستمد ضوءها وعبقها من إرث عربي قديم، سرت وسط ممرات الحديقة الصغيرة، وسط الأشجار والزهور الخجلى المفروشة. هالني عدد الكنائس التي كانت تحيط بي، فيما مضى كانت كلها مساجد، واصلت الهبوط، فبدت لي غرناطة مثل الحلم الذي لا تود أن تفيق منه.

ليست هناك تعليقات: