(مع نجيب محفوظ في مكتبه بالأهرام - القاهرة بعد نيله جائزة نوبل للآداب)
أنماط التحول في (تحولات يوسف المغربي ) لعبد الرحمن بوعلي
إنجاز :ذ. محمد دخيسي
تقوم قراءة النص الشعري في الغالب على أسس وآليات تفكك دلالاته، وتحللها على أمل الوصول إلى مقصدية المبدع. وحري بنا نحن أن نكون أمناء له وألا نقوِّله ما لم يقله. لذلك باشرنا قراءة قصيدة: " تحولات يوسف المغربي" للشاعر عبد الرحمن بوعلي من منطلق تفكيك دلالاته وإخراجها من لبوسها السطحي إلى ما توحي به من خلال تحولاتها ضمن نسق النص.
إن الحديث عن الدلالات في النص الشعري ينطلق من دراسة الألفاظ في إطار الحقل المعجمي الذي يركز على الوحدات المعجمية التي تتعالق فيما بينها لتعيين موضوع أو مفهوم. ثم الحقل الدلالي إذ يضم مجموع استعمالات كلمة واحدة في نص معطى، وهو استعمال يمنح الوحدة المعجمية حمولة دلالية،لأن الألفاظ متناهية والمعاني لا تتناهى.
نص " تحولات يوسف المغربي" قصيدة ذات نفس طويل، تجمع بين المتن الشعري الرئيس وحاشيته التي تليه بالتذكير والتثمين. ولطولها جعلتنا نعيش الحس الدرامي ونفاجأ بحضور ضمير الشاعر ليشكل غنائية من نوع خاص. إذ تتعدى الغنائية عنده حدود التمثيل الذاتي لصياغة أفق جماعي يتشارك فيه الجزء والكل ، وتتشاكل فيه لغة الشعر المجازية ولغة النثر التقريرية. والتقريرية في القصيدة لا تقلص من حمولات الدلالات بقدر ما تعطيها حدود القوة للتعبير الاستعاري وتخول لها مساحات من التعبير الحر.
من أجل توضيح هذه الاستنتاجات الأولية ، أو لنقل الملاحظات الشكلية حول النص، سنقف عند نموذجين تطبيقيين على أن نعود للتحليل في قراءة تالية أكثر تفصيلا.
إن الحديث عن الدلالات في النص الشعري ينطلق من دراسة الألفاظ في إطار الحقل المعجمي الذي يركز على الوحدات المعجمية التي تتعالق فيما بينها لتعيين موضوع أو مفهوم. ثم الحقل الدلالي إذ يضم مجموع استعمالات كلمة واحدة في نص معطى، وهو استعمال يمنح الوحدة المعجمية حمولة دلالية،لأن الألفاظ متناهية والمعاني لا تتناهى.
نص " تحولات يوسف المغربي" قصيدة ذات نفس طويل، تجمع بين المتن الشعري الرئيس وحاشيته التي تليه بالتذكير والتثمين. ولطولها جعلتنا نعيش الحس الدرامي ونفاجأ بحضور ضمير الشاعر ليشكل غنائية من نوع خاص. إذ تتعدى الغنائية عنده حدود التمثيل الذاتي لصياغة أفق جماعي يتشارك فيه الجزء والكل ، وتتشاكل فيه لغة الشعر المجازية ولغة النثر التقريرية. والتقريرية في القصيدة لا تقلص من حمولات الدلالات بقدر ما تعطيها حدود القوة للتعبير الاستعاري وتخول لها مساحات من التعبير الحر.
من أجل توضيح هذه الاستنتاجات الأولية ، أو لنقل الملاحظات الشكلية حول النص، سنقف عند نموذجين تطبيقيين على أن نعود للتحليل في قراءة تالية أكثر تفصيلا.
1. النموذج الأول: يوسف وتحولاته عند الشاعر
كثر استعمال قصة يوسف في الشعر العربي عامة، باعتباره معادلا موضوعيا لسمات البراءة والخلاص من جهة، وصفة المكر والخذيعة من ناحية تعامل إخوته معه. وتجليات يوسف لم تخرج عن شكلين اثنين:
v نموذج الإطار: وهو التعامل الموافق للنص القرآني، إذ يحول الشاعر ذاته شبيهة أو صنو شخصية يوسف ( التباعد الأرسطي)
v نموذج التجاوز: إذ يتم استلهام النص القرآني وتحويله إلى وجهة تخدم قصدية المبدع، وهنا نذكر بحالة تكفير الشاعر الأردني موسى الحوامدة ëعن قصيدته " القصيدة الأزمة" إذ يقول يوسف رمز اسرئيل وزليخة مصرية غير امرأة العزيز. والأمثلة كثيرة يصعب ذكرها في هذا المجال الضيق.
نقرأ في عتبة القصيدة / الديوان لعبد الرحمن بوعلي آية من سورة يوسف (( وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون )) وهي تقربنا من حقيقة إخوة يوسف الذين دخلوا عليه في قصره ، ولم يستطيعوا تذكره لطول فترة الغياب ولاعتقادهم قتلهم إياه برميه في الجب.
فلماذا استحضر الشاعر هذه الآية مع العلم أن سورة يوسف مليئة بالعبر والدروس التي توضح المكر والخذيعة؟
سؤال يتبدى إبهامه باستحضار صفة التجاوز الذي يعطي الأولوية للنص الشعري كي يبرز مفاتن الإيحاء والترميز، فالشاعر / يوسف المغربي لا زال في الجب:
سأكون وحيدا في هذا الجب
وحيدا كدم مبلول ( 51)
ثم إن نهايته كبدايته.. ( 50)
وهنا نعود إلى عنوان المجموعة / القصيدة حيث نجد ثلاثة تحديداث:
B مكون القضية: التحولات
B مكون الشخصية: يوسف
Bمكون المكان : المغربي
إذ نحن أمام يوسف مغربي تحول، واستطاع أن يبني لنفسه أفقا جديدا غير ذي جاه ولا صولة. ونستطيع أن نسترشد بمجموعة من المحددات المعجمية في النص وهي كلها تشي بغربة الشاعر المكانية بعيدا عن ذويه تارة، وغربة نفسية وهو بين ظهرانيهم. كما لا يخفى علينا نمو النص الشعري عنده باستغلال التوازي باعتباره مركبا ثنائي التكوين على حد تعبير لوتمان، إذ يعرض متواليات متعاقبة تنهج نفس النظام الصرفي والتعبيري، وهو ما يعطي للقصيدة بعدا غنائيا فردانيا. ويميزها عن الخطاب المباشر على الرغم من توظيف لغة شفافة واضحة المعالم، لكنها بعيدة المرامي.
2. النموذج الثاني: حقل الريح في النص
إن استقراءنا لقصيدة " تحولات يوسف المغربي" أغرانا منذ البداية بتصنيف مجموعة من الدوال التي تكررت فيه، وهو ما جعلنا في النهاية نستطرد مجموعة من التصورات المسْبقة سواء ما حمله الشاعر في ذاكرته ( من خلال ديوانه : "الأناشيد والمراثي" و "مدن الرماد") أم من خلال البحث في مصدر اللفظة ( الريح ) في القرآن باعتباره الموجه الأول لنا في هذا التحديد المعجمي.
وظف الشاعر لفظة الريح في قصيدته توظيفا إيجابيا( 10 مرات ) . ونقصد بالإيجابية حفاظه على دلالتها الأصلية، ذلك أن ورود ( الريح) في القرآن تكرر 12 مرة دلت كلها على صفة عدم نفعها ( ريح عاصف : يونس 22 – الريح العقيم: الذاريات / 41- ريح فيها صِر : آل عمران / 117- ريح فيها عذاب أليم: الأحقاف : / 24… ) ثم التأكيد على صفة رمزية للمكان الذي كان يعيش فيه، وهو القائل في إحدى لقاءاته إنه لم يعرف حقيقة الريح إلا هناك في صلالة في سلطنة عمان.
يقول في أول مقطع من قصيدته، وهو يتكرر بصفات مغايرة:
في مملكة الوقت
تأخذني الريح
على كتفيها…
وتتوجني ملكا يحلم بالكلماتْ ( ص- 7 )
وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه الريح قد توجته لكنه لم يجد أمامه إلا مدنا فارغة:
وأرى
صورا
وقرى ضائعة ولغاتْ ( ص- 8)
ويختزل الشاعر لغته ليعطي دلالات إيحائية للريح من خلال تكثيف صفات التيه والضلال، وتوظيفها لصيقة بزمن التيه، فانتذبت الريح فيه مكانا قصيا، ولبثت في ذلك المكان غير مهزومة ولامهزوزة:
وتربص بالوقت
إذا الرياح انتذت فيك مكانا، .. ( ص- 32 )
إن استنتاجنا هذا يجد صدى له في مجموعتيه ( "الأناشيد والمراثي" و "مدن الرماد" ) ذلك أن حضور الريح كان أقل قوة، لأنه أردف إلى جانبه لفظة ( الرياح) جمعا، وهو في ذلك لا يلتزم كثيرا بأبعادها الدلالية المتعارف عليها في القرآن مثلا. فيحولها إلى مفعولا عوض فاعليتها:
أو لم تكن أجراسنا تذرو الرياح ؟ ( ص- 50 )
وباقي التحديدات جعلت الرياح دليلا على التشتيت والضياع، على عكس نفعها وفائدتها في كتاب الله ( "وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته" الأعراف: 57، الرياح لواقح : الحجر/ 22، الرياح مبشرات: الروم / 46…)
فالريح صفة التشظي والشتات عند الشاعر عبد الرحمن بوعلي وقد تحولت صفتها وتشبتت بدلالات الضياع. كما أن نواة التداخلات ين لفظتها وباقي محدداتها لم تخرج عن هذا التخصيص، وحفاظها على صيغة موحدة جعلها تراود المتلقي وتخرجه من بوتقة الثبات ليعيش معها صفات التحول والتناغم مع أهوال زمن التيه في فضاء الريح والرفات…
يغري هذا النص بكثير من الحقول الدلالية، وما اكتفاءنا بهذين النموذجين إلا لترك الفرصة للبحث والتنقيب، وسيكون ذلك ضمن قراءة ملمة وشاملة.
وظف الشاعر لفظة الريح في قصيدته توظيفا إيجابيا( 10 مرات ) . ونقصد بالإيجابية حفاظه على دلالتها الأصلية، ذلك أن ورود ( الريح) في القرآن تكرر 12 مرة دلت كلها على صفة عدم نفعها ( ريح عاصف : يونس 22 – الريح العقيم: الذاريات / 41- ريح فيها صِر : آل عمران / 117- ريح فيها عذاب أليم: الأحقاف : / 24… ) ثم التأكيد على صفة رمزية للمكان الذي كان يعيش فيه، وهو القائل في إحدى لقاءاته إنه لم يعرف حقيقة الريح إلا هناك في صلالة في سلطنة عمان.
يقول في أول مقطع من قصيدته، وهو يتكرر بصفات مغايرة:
في مملكة الوقت
تأخذني الريح
على كتفيها…
وتتوجني ملكا يحلم بالكلماتْ ( ص- 7 )
وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه الريح قد توجته لكنه لم يجد أمامه إلا مدنا فارغة:
وأرى
صورا
وقرى ضائعة ولغاتْ ( ص- 8)
ويختزل الشاعر لغته ليعطي دلالات إيحائية للريح من خلال تكثيف صفات التيه والضلال، وتوظيفها لصيقة بزمن التيه، فانتذبت الريح فيه مكانا قصيا، ولبثت في ذلك المكان غير مهزومة ولامهزوزة:
وتربص بالوقت
إذا الرياح انتذت فيك مكانا، .. ( ص- 32 )
إن استنتاجنا هذا يجد صدى له في مجموعتيه ( "الأناشيد والمراثي" و "مدن الرماد" ) ذلك أن حضور الريح كان أقل قوة، لأنه أردف إلى جانبه لفظة ( الرياح) جمعا، وهو في ذلك لا يلتزم كثيرا بأبعادها الدلالية المتعارف عليها في القرآن مثلا. فيحولها إلى مفعولا عوض فاعليتها:
أو لم تكن أجراسنا تذرو الرياح ؟ ( ص- 50 )
وباقي التحديدات جعلت الرياح دليلا على التشتيت والضياع، على عكس نفعها وفائدتها في كتاب الله ( "وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته" الأعراف: 57، الرياح لواقح : الحجر/ 22، الرياح مبشرات: الروم / 46…)
فالريح صفة التشظي والشتات عند الشاعر عبد الرحمن بوعلي وقد تحولت صفتها وتشبتت بدلالات الضياع. كما أن نواة التداخلات ين لفظتها وباقي محدداتها لم تخرج عن هذا التخصيص، وحفاظها على صيغة موحدة جعلها تراود المتلقي وتخرجه من بوتقة الثبات ليعيش معها صفات التحول والتناغم مع أهوال زمن التيه في فضاء الريح والرفات…
يغري هذا النص بكثير من الحقول الدلالية، وما اكتفاءنا بهذين النموذجين إلا لترك الفرصة للبحث والتنقيب، وسيكون ذلك ضمن قراءة ملمة وشاملة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتوسع في موضوع الشاعر الأردني موسى الحوامدة، يمكن العودة إلى جريدة الأحداث المغربية ليوم 22 أبريل 2000.
"الأناشيد والمراثي" يليها "مدن الرماد": ششعر لعبد الرحمن بوعلي، منشورات ضفاف 2003
" تحولات يوسف المغربي" قصيدة طويلة لعبد الرحمن بوعلي، منششورات مجلة ضفاف،2003
"الأناشيد والمراثي" يليها "مدن الرماد": ششعر لعبد الرحمن بوعلي، منشورات ضفاف 2003
" تحولات يوسف المغربي" قصيدة طويلة لعبد الرحمن بوعلي، منششورات مجلة ضفاف،2003
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق