إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 1 مارس 2008

مقاربة العنوان في شعر عبد الرحمن بوعلي

مقاربة العنوان في شعر عبد الرحمن بوعلي
د. جميل حمداوي - المغرب


يعد عبد الرحمـــــن بوعلي من الشعراء العرب البارزين في الكتابة الشعرية، ومن المؤسسين الرواد للقصيدة المعاصرة بالمنطقة الشرقية بالمغرب الأقصى. و قد بدأ الكتابة الشعرية منذ السبعينيات كما يتضح ذلك في ديوانه” أسفار داخل الوطن"؛ ليتوجها أخيرا بقصيدة شعرية طويلة، وهي"تحولات يوسف المغربي“ التي حصل بها على جائزة مؤسسة البابطين في أفضل قصيدة ترصد صيرورة الإنسان العربي و تحولاته.
وفي هذه الدراسة سنحاول مقاربة شعر الأستاذ عبد الرحمـــــن بوعلي مقاربة عنوا نية ضمن مستويين: خارجي و داخلي.
١- المستوى الخارجي:
1. العنوان الخارجي ( العنونة الديوانية):
يقصد به ذلك العنوان المركزي الذي يحدد هوية المؤلف خارجيا. ويعني هذا أن العنوان الخارجي هو أول ملفوظ يواجه القارىً بعلامته اللغوية أو البصرية. ولقد أصدر عبد الرحمـــــــن بوعلي مجموعة من الدواوين الشعرية. وهذه الدواوين هي:
العناوين الخارجية
حيثيات النشر
البنية التركيبية
نوع الدلالة
أسفار داخل الوطن
ط1/1977/الدار البيضاء
خبر+ شبه جملة
دلالة حرفية
الولد الدائري
ط1/1984/بغداد
مبتدأ+ نعت
دلالة رمزية
وردة للزمن المستحيل
ط1/1984/وجدة
خبر +جار و مجرور + صفة
دلالة رمزية
الأناشيد و المراثي
ط1/1996
مبتدأ + التركيب العطفي
دلالة رمزية
الأناشيد و المراثي و مدن الرماد
ط1/2003/وجدة
مبتدأ + التركيب العطفي + التركيب العطفي + المضاف إليه
دلالة رمزية
تحولات يوسف المغربي
ط1/2003/وجدة
خبر+ مضاف إليه + الصفة
دلالة رمزية
ويلاحظ على هذه العناوين الخارجية الغلافية أو المركزية أنها تتبنى تركيب الجملة الاسمية تأكيدا و تقريرا وإثباتا. وهذه العناوين جمل بسيطة مثل:(أسفار داخل الوطن- وردة للزمن المستحيل- تحولات يوسف المغربي- مدن الرماد...). وإذا كانت معظم الدواوين الشعرية تتركب من (خبر + مضاف إليه)، فإن عناوين عبد الرحمـــــن بوعلي تتجاوز هذه الصيغة النحوية إلى بنى تركيبية أخرى.
ويبدو أن الشاعر يفضل العنوان القائم على الحذف و الإضمار الخبري (الولد الدائري)، أو على الحذف المبتدئي ( أسفار داخل الوطن، وردة للزمن المستحيل، تحولات يوسف المغربي، مدن الرماد). ونجد في هذه العناوين الخارجية عدة مكونات كالمكون النعتي(المغربي، المستحيل، الدائري)، و المكون المكاني(داخل الوطن، مدن الرماد)، والمكون الزمني(وردة للزمن المستحيل)، و المكون الشخوصي( تحولات يوسف المغربي، الولد الدائري)، والمكون الحدثي (تحولات يوسف المغربي، أسفار داخل الوطن).
وإذا كان هذا العنوان (أسفار داخل الوطن) يتخذ دلالة حرفية، فإن العناوين الأخرى تتخذ صيغا بلاغية إيحائية كالترميز في ( تحولات يوسف المغربي)، والاستعارة في ( وردة للزمن المستحيل)، و الكناية في ( مدن الرماد، الأناشيد و المراثي، الولد الدائري).و تحضر في ملفوظات هذه العناوين الخارجية نبرة الحزن و السأم و القتامة. ويتجلى ذلك في تكرار بعض الأصوات المهموسة الدالة على المعاناة و الغثيان والصمت والسكون على الرغم من حركية الراء واللام م و الميم والنون، و هذه الأصوات الهامسة هي: السين، والشين، والتاء، والحاء، والثاء، والفاء، الخاء...
و تحيل هذه العناوين الخارجية على ثنائية المعاناة والألم والوجود والعدم والحركة والثبات. و يلاحظ إيقاعيا انحدار نفسي لدى الشاعر. فبعد الأمل في غد التغيير الذي نراه في ديوان ( أسفار داخل الوطن)، نجد الشاعر أكثر تشاؤما و حزنا و غثيانا في دواوينه اللاحقة. فبعد زمن الشهادة و الاستشهاد – على حد تعبير عبد الله راجع-(1) لم يعقبه إلا زمن الضياع والموت والسراب والكيد والخيانة والخديعة.
وتتنوع الفضاءات في شعر عبد الرحمـــــن بوعلي كما يدل على ذلك تنوع العناوين الخارجية. فمن فضاء خارجي مفتوح ( أسفار داخل الوطن) ، إلى فضاء مغلق دائري (الولد الدائري)، و فضاء عدمي(وردة للزمن المستحيل- مدن الرماد- الأناشيد و المراثي)، لينتهي الشاعر بفضاء جدلي يتسم بالتحول و التغيير الدينامكي(تحولات يوسف المغربي).
-2 العنوان التجنيسي:
يحدد هذا العنوان جنس الإبداع و هويته. لذلك نجد مجموعة من الدواوين التجنيسية داخل العنونة الديوانية أو تفريعا عن العنوان الخارجي. و من أمثلة ذلك: (تحولات يوسف المغربي= قصيدة طويلة)، ( الأناشيد و المراثي)، ( الأناشيد و المراثي يليها مدن الرماد = شعر).
2. العنوان التشكيلي:
يمتح العنوان التشكيلي وجوده من فن الرسم و التشكيل و التبئير الأيقوني والتنويع في الألوان و الفضاءات الهندسية. وقد يترجم العنوان التشكيلي ملفوظات العنوان الخارجي اللغوي. فعنوان اللوحة التشكيلية في ( أسفار داخل الوطن)، يحيل على الأمل و التحدي و الاستشهاد في سبيل حرية الذات و الوطن. أما عنوان اللوحة البصرية في ( الولد الدائري) فيشير إلى الموت و الانغلاق الدائري المحصور بين التلاشي الوجودي و الأمل الباهت. و تتخذ اللوحة التكعيبية في ( وردة للزمن المستحيل) عنوانا أيقونيا مجردا يدل على الانتظار و اليأس والحزن
والتآكل البشري. ويحضر العنوان التجريدي في ( الأناشيد و المراثي ومدن الرماد) لينسج خيوط الموت و السواد و السأم الحزين. أما العنوان التشكيلي في ( تحولات يوسف المغربي) فيحيل على لوثة السواد و ضحالة الكائن البشري و صيرورته نحو آفاق العدم والاضمحلال و العبث و طرح الأسئلة المميتة الراكدة على واقع راكد بانحطاط القيم و غياب المثل الأصيلة. و هكذا، تترجم لنا هذه اللوحات العنوا نية التشكيلية خاصية الحزن لدى الشاعر التي نجدها عند كثير من الشعراء الحداثيين مثل: إليوت، و بودلير، و رامبو، و صلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب، و أمل دنقل، و نازك الملائكة...
3. العنوان الإشهاري:
يتخطى هذا العنوان المستوى الفني إلى المستوى التجاري والإشهاري. فيؤشر على مكان إصدار المنتوج و المطبعة التي سهرت على طبع الكتاب و نشره وتوزيعه وعنوان المطبعة و مكتب المؤسسة، بالإضافة إلى ثمن النسخة و شعار مؤسسة النشر أو الوزارة التي تكلفت بالإصدار. و كل هذا يدخل ضمن حيثيات النشر و سوسيولوجية التسويق. وتتسم دواوين الشاعر بالثراء الإشهاري ولاسيما ديوانه (الولد الدائري) الذي طبع في بغداد من قبل وزارة الثقافة و الإعلام العراقية. ويحيل العنوان الإشهاري على ثلاثة مراكز أساسية في طبع الديوان. وهي: بغداد، الدار البيضاء، وجدة. أي يتخذ مركز الديوان -عنوانيا و مؤسساتيا- طابعا قوميا ووطنيا و محليا.
٢- المستوى النصي الداخلي:
1. العنوان الأساسي:
يتربع العنوان الأساسي قمة القصيدة و عرشها العلوي. و بالتالي، يحدد دلالات القصيدة وأبعادها الذاتية و الموضوعية. وتعزف عناوين القصائد في الدواوين الشعرية المذكورة سيمفونية الألم والموت والعبث والحزن والضياع. وتشخص صراع الإنسان مع الموضوع: أملا وألما.
و يلاحظ - تركيبيا-أن معظم العناوين الأساسية تهيمن عليها الجملة الاسمية. و قلما نجد عنوانا ذا تركيب فعلي كما هو الشأن في ديوان(أسفار داخل الوطن) تحت عنوان ( سأمتهن الريح سيدتي والطريق). وتصدر دلالات هذه العناوين الأساسية عن رؤية و جودية قوامها العبث و السأم و الصمت و التيه والبكاء و العدم و الموت.
2- العنوان السياقي:
نقصد بالعنوان السياقي ذلك العنوان الذي يحدد سياق القصيدة: تأريخا أو إهداء أو تحديدا لمناسبة القصيدة. و يساعدنا هذا العنوان في اتساق النص و خلق انسجامه، وفهم دلالاته و تأويله. لذلك، نجد معظم القصائد ذيلت بتاريخ النشر و الكتابة ومكان الإبداع بتحديد اليوم أو الشهر أو السنة أو الفصل، علاوة على تحديد مكان النشر سواء أكان خاصا أم عاما.
ومن أمثلة ذلك:
1. عودة البدو من ديوان ”وردة للزمن المستحيل “، (الرباط، صيف، 1982)؛
2. مقاطع للرهبة و البكاء ” وردة للزمن المستحيل“، (وجدة، 7/1/1996)؛
3. ”تحولات يوسف المغربي “، (صلالة – سلطنة عمان-6-11-1996).
3- العنواني المقطعي أو الفرعي
يعد عبدالرحمـــــن بوعلي من الشعراء القلائل الذين وظفوا العناوين المقطعية المتفرعة عن العناوين الأساسية. ومن القصائد التي تضم العناوين المقطعية نجد:
١- الأرض و الأصدقاء في ديوان ( وردة للزمن المستحيل)؛
۲- أناشيد للتعب البربري في ديوان ( وردة للزمن المستحيل)؛
۳- أوراق من كتاب الوطن في ديوان( وردة للزمن المستحيل)؛
٤- السفر داخل الوطن في ديوان ( أسفار داخل الوطن).
و تخلو باقي الدواوين الشعرية من العناوين المقطعية، وتكتفي فقط بالعنونة الأساسية المسيجة بالإهداء أو المقتبسات النصية (فريدريكو غارسيا لوركا، والت وايتمان...)، أو الاستهلال التناصي كما في (تحولات يوسف المغربي).
4- العنوان الفهرسي أو المفهرس:
لقد أرفق الشاعر عبد الرحمــــــن بوعلي معظم دواوينه الشعرية بفهارس معنونة لنصوصه الشعرية.وقد صيغت بطريقة دلالية موضوعاتية مبوبة: ترقيما و تصنيفا و تقسيما.
هذه نظرة مختصرة عن أهم المكونات العنوانية في دواوين الأستاذ عبد الرحمـــــــن بوعلي على مستوى البنية و الدلالة والوظيفة. وقد ترجمت لنا هذه الدوال العنوانية ذوبان الأمل وتمدد الحزن، وتآكل الإنسان العربي سأما و عبثا و عدما و ضياعا و موتا. و تحيل هذه العناوين على مرجعيات الشاعر الجدلية في ديوان ( أسفار داخل الوطن)، و العبثية الوجودية في ( الولد الدائري- الأناشيد و المراثي- مدن الرماد- وردة للزمن المستحيل)، والمرجعية الدينية ( تحولات يوسف المغربي). وكل هذا يرصد صيرورة الشاعر عبد الرحمــــن بوعلي ضمن إبدالات الشعر المغربي المعاصر و مساهماته في إثراء البنية العنوا نية بصفة خاصة، والشعرية بصفة عامة.

ليست هناك تعليقات: