مقاربة الإهداء في شعرعبد الرحمـــن بوعلي
للدكتور جميل حمداوي
للدكتور جميل حمداوي
يرفق كثير من الشعراء نصوصهم الإبداعية بذكر الإهداء باعتباره نصا موازيا للعمل الأدبي، يقدم النص و يعلنه، ويؤطر المعنى أو يوجهه سلفا.-1- وقد يعتقد البعض أن الإهداء علامة لغوية لا قيمة لها و لا أهمية لها في فهم النص و تفسيره، أو تفكيكه و تركيبه؛ بل هي إشارة شكلية مجانية أو ثانوية لا علاقة لها بالنص، ولا تخدمه لا من قريب و لا من بعيد.بيد أن الشعرية الحديثة أعادت الاعتبار لكل المصاحبات النصية و العتبات المحيطة بالنص التي تشكل ما يسمى بالنص الموازي .وأصبح من الضروري قبل الدخول في النص الوقوف عند عتباته و مساءلتها قصد تحديد بنياتها واستقراء دلالاتها وأبعادها الوظيفية؛ لأن الشكل مهما كان –عتبة أو تعبيرا أو صياغة أو مادة مطبعية- يحمل دلالات معينة قصدها المبدع أو لم يقصدها. و تؤخذ هذه الدلالات الشكلية بعين الاعتبار في قراءة النص الإ بداعي و تأويله: تشريحا وتركيبا.
كما أن ظاهرة الإهداء قديمة ارتبطت بالكتاب:مخطوطا و مطبوعا. وهذا ما تؤكده حفريات الكتاب. ويرى جيرا ر جنيتG. Genette أن جذور الإهداء تعود على الأقل إلى الإمبراطورية الرومانية القديمة. فقد عثر الباحثون على نصوص و أعمال شعرية مقترنة بإهداءات خاصة و عامة.-2- وأصبح الغلاف في القرن السادس عشر " يتضمن بالإضافة إلى اسم المؤلف و عنوان الكتاب و مكان الطبع وسنة الطبع بعض المعطيات الأخرى كاسم موزع الكتاب، وبعض الإهداءات الطويلة و التفسيرات المختلفة تحت العنوان والرسوم التي كانت تزداد غنى مع الوقت، و إشارة الطابع أو إشارة الناشر"-3-
ومع مرور الزمان، صار الإهداء تقليدا أدبيا و خلقيا و منهجيا في الأعمال الإبداعية إلى يومنا هذا. وهو أيضا تقليد عرفه الشعر العربي القديم والحديث، فكان الشعراء يهدون القصيدة إلى هذا الأمير أو ذاك طلبا للتكسب أو مدحا خالصا. وصار في شعرنا العربي الحديث و المعاصر يحمل دلالات مغايرة. يقدم لرموز سياسية أو اجتماعية أو لأشخاص عاديين و مجهولين ومغمورين؛ وبذلك " بات يدل على عقد ضمني بين مضمون الخطاب الشعري وحاجة جماعة مناضلة"-4-
وإذا تأملنا الإهداء – ولاسيما في الخطابات التخييلية السردية أو الشعرية- فسنجد انتقالا من الأنا نحو الآخر، فتتحول الكتابة الإبداعية إلى ممر وسيط بين الأنا و الهو في إطار ميثاق تواصلي بين الأنا والغير قائم على المحبة والصداقة والعلاقة الحميمية الوجدانية المشتركة أو على تبادل نفس القيم الفنية و الرمزية التي يجسدها العمل الأدبي.
وعند دراسة بنية الإهداء لابد من استحضار العناصر التالية:
المـهدي الإهــداء المـهدى إليه
طبيـــعته التركيب و الدلالة طبيـــعته
دوافع الإهداء وأهدافه
ويعد الإهداء بمثابة كتابة رقيقة قد تكون نثرية أو شاعرية، تقريرية أوإيحائية، إلى المهدى إليه الذي قد يكون فردا معروفا أو مجهولا أو جماعة معينة أو غير معينة.
وقد يكون الإهداء ذاتيا أو غيريا. فيكون ذاتياِِِ(auto dédicace)
عندما يوجه الشاعر الإهداء إلى نفسه. وقد يكون الإهداء الغيري خاصا أوعاما؛ والخاص قد يكون اعتباريا مثل: المؤسسة و الشركة والجامعة والكلية والمركز العلمي...أو طبيعيا مثل أديب أو فنان أو وطني أو من الأهل و الأحباب و الأقارب أو شخصية قومية أو عالمية الخ...
ويرى جنيت أن الإهداء الخاص—- privé موجه إلى شخص معروف كثيرا أو قليلا، فتكون العلاقة بين المرسل و المرسل إليه ذات طابع عام و رمزي كأن تكون علاقة ثقافية أو فنية أو سياسية أو غيرها من العلاقات العامة.-5-
و الإهداء كذلك نوعان: إهداء العمل La dédicace d’ œuvre، وإهداء النسخة La dédicace d’exemplaire؛ فالأول فعل رمزي ذو طابع عام، والثاني يحمل توقيع المؤلف المباشر سواء اقترن بالكتاب أم بالمخطوط. وهو فعل حميمي و تواصل خاص يحمل دلالة من نوع خاص.
ويعتبر الإهداء سواء أكان عاما أم خاصا عتبة نصية لا تنفصل دلالتها عن السياق العام لطبيعة النص الشعري و أبعاده الإيحائية و المرجعية.ولهذا الاعتبار يتصدر الإهداء النصوص باعتباره أحد المداخل الأولية لكل قراءة ممكنة للنص.
وقد يشكل الإهداء ملفوظا مستقلا بنفسه. وغالبا ما يكون في بداية العمل الأدبي مقترنا بصفحة التقديم أو محاذيا للعنوان الخارجي للديوان أو حاشية فرعية للعنوان النصي الداخلي أو يكون نفسه عنوانا. و يرد الإهداء في شكل جملة أو نص أدبي قصير يتضمن عناصر التواصل الأساسية من مرسل ومرسل إليه و إرسالية و مرجع و قناة و لغة التشفير و فك سننها. و قد يتحول الإهداء من نص قصير إلى نص طويل Macro texteيحتوي على الحدث و سياقه وشخوصه و الإحالات المرجعية والرمزية كما في ديوان الشاعر الفلسطيني عبد الفتاح محمد "قصائد على الحدود"-6- و ديوان "زمن الانتظار" للشاعرة المغربية فاطمة عبد الحق.-7-
وإذا تأملنا صيغة الإهداء بصفة عامة فإنها تتكون من العناصر التالية:
أ- المهدي؛
ب- المهدىإليه؛
ت- أسباب الإهداء؛
ث- صيغة الإهداء؛
ج- توقيع المهدي؛
ح- زمان الإهداء ومكانه.
وقد تكون علاقة الإهداء بالديوان الشعري أو نصوصه إما علاقة مباشرة وإما علاقة غير مباشرة. ويتم الترابط بين الإهداء والعمل إما اتصالا و إما انفصالا عبر مجموعة من العلاقات الدلالية كالإحالة و الانعكاس والإيحاء والترميز والتماثل و التقديم و التو جيه السياقي و التوليد الدلالي و المرجعي والمقصدي إلى غير ذلك من العلاقات النصية والموازية.
وللإهداء عدة و وظائف نصية و تداولية مثل: الوظيفة الاجتماعية( التواصل الحميمي بين الأصدقاء و أفراد العائلة)، و الاقتصادية (رعاية العمل الأدبي وتمويله ماديا...)، علاوة على وظائف أخرى: جمالية و دلالية وتأثيرية، بله الوظائف التأويلية و السياقية التي تساعد الناقد و القارىً في تذوق النص وإعادة بنائه من جديد.
وإذا انتقلنا إلى دواوين الشاعر المغربي عبد الرحمــن بوعلي و نصوصه الشعرية فإننا نجد الإهداء يتشكل على النحو التالي:
الدواوين الشعرية
الإهداء التصديري
المهدي
المهدى إليه/ إليهم
صيغة الإهداء
نوع الإهداء
أسفار داخل الوطن
+
الشاعر الأستاذ الجامعي عبد الرحمــن بوعلي
فردي
إلى حنان الطفلة المشاكسة
إهداء عائلي خاص
وردة للزمن المستحيل
+
نفس المهدي
جماعي
إلى لبنى
إلى أم لبنى
بانتظار الصعود المنتظر
إهداء عائلي
الولد الدائري
_
_
_
_
_
الأناشيد والمراثي
_
_
_
_
_
مدن الرماد
_
_
_
_
_
تحولات يوسف المغربي
_
_
_
_
_
و يلاحظ من خلال هذا الجدول أن الشاعر عبد الرحمـــــن بوعلي يتبنى الإهداء تقليدا أدبيا، و لكنه لا يعممه في جميع دواوينه الشعرية. و يتميز إهداء الشاعر بكونه فرديا و جماعيا موجها إلى الأنثى: أما كانت أو طفلة. ففي ديوانه الأول ( أسفار داخل الوطن)-6- يتصدر الإهداء نصوصه الشعرية و يحتل موقع الاستهلال و التقديم بعد صفحة العنوان الخارجي مباشرة. ويهدي الشاعر ديوانه إلى "حنان" التي تجمع بين براءة الطفولة والمشاكسة. و هذا الإهداء عائلي خاص قائم على ميثاق الد م و النسب. ويرد الإهداء في صيغة جملة اسمية مر تكزها الإهدائي حرف الجر " إلى" الذي يشير إلى المهدى إليه، وهو اسم العلم «حنان". ويلاحظ أن المرسل محذوف، وهذا أمر طبيعي؛ لأن الشاعر معروف و مثبت في الصفحة الأولى من الغلاف الخارجي، و يقترن الإهداء كذلك بالوصف الخارجي (الطفلة، المشاكسة)، الذي يدل على حالة المهدى إليه.
وإذا كان الديوان يحيل على رفض الواقع و استنكاره لما يسوده من فضاضة وألم و ظلم و تعاسة، فإنه يجد في الطفولة المشاكسة حنان البراءة الأمل وغد الخير و الانتصار و تجاوزا للواقع السائد. ويتحول الوطن في ديوانه الشعري إلى طفولة مغتصبة يحفها الحزن و ينخرها الموت والغثيان؛ لكن الشاعر يعلق أملا كبيرا على فغل البوح و الانتفاض والولادة الجديدة.و في ديوانه (وردة للزمن المستحيل )-7- يتحول العنوان الخارجي إلى إهداء من الشاعر الميئوس إلى زمن الرفض و العقم و الرداءة حيث تنعدم فيه الأحلام ويموت الممكن ويحتضر الحاضر و يسود الانتظار و عبث اللاجدوى. ويحضر الإهداء في هذا الديوان بعد مقتبس " والت وايتمان" و صفحة العنوان الخارجي. و هو إهداء عائلي خاص موجه إلى المهدى إليه الذي يجمع بين الأم/الزوجة والطفلة لبنى؛لكن يصيغ الشاعر هذا الإهداء بطريقة شعرية تعتمد على توالي الأسطر الشعرية،و توازي التكرار وتماثل الأصوات و استعمال صورة التدرج من الطفلة إلى الأم، ومن الأم إلى صعود المنتظر. ويحيل هذا الإهداء على أسطورة سيزيف اليونانية التي ترمز إلى العبثية واللاجدوى و انتظار الذي يأتي و لا يأتي. ومن، ثم، يسجل الإهداء عبر سراديب نصوص الديوان وإيقاعاتها الشعرية مأساة "غودو" و عبثية الإنسان في هذا الزمن الموبوء بالفشل و الاستحالة والعدم.
أما الدواوين الشعرية الأخرى كالولد الدائري-8-، و الأناشيد و المراثي -9-، و مدن الرماد، وتحولات يوسف المغربي -10-، فإنها تخلو من الإهداء التصديري الذي يقدم الديوان و يعلنه؛ إذ عوضه الشاعر بعتبة الاقتباس( فريدريكو غارسيا لوركا، والت وايتمان، القرآن الكريم، سعدي يوسف، عباس بيضون، إليوت). وهكذا نجد الشاعر يزاوج بين عتبتين أساسيتين: الاقتباس و الإهداء لتوجيه دفة دواوينه الشعرية.وهذا يعني أن الشاعر يشغل الذاتي (استقطاب الإهداء العاطفي)، والموضوعي ( استقطاب الاقتباس المعرفي أو المرجعي)في بناء دواوينه الشعرية.
و إلى جانب هذه الإهداءات الخارجية المحيطة بالدواوين الشعرية، نجد إهداءات داخلية في شكل عناوين أو حواش فرعية لها. وإليكم هذه الإهداءات في هذا الجدول التوضيحي:
الدواوين الشعرية
الإهداءات
طبيعة الإهداء
مكونات الإهداء
بنية الإهداء
أسفار داخل الوطن
خطاب إلى سيدتي السمراء
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
أسفار داخل الوطن
أغنية قصيرة جدا لبيروت الوطن
إهداء عنواني
مكون مكاني
جملة اسمية بسيطة
أسفار داخل الوطن
من التاريخ السري للهزيمة مهداة إلى شهيد المحرر: عمر بن جلون
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
أسفار داخل الوطن
قصيدة لعيون غيفارا
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
أسفار داخل الوطن
رسائل حب إلى الحزن الريفي
إهداء عنواني
مكون وصفي
جملة اسمية بسيطة
الولد الدائري
سلام أيها البحر مهداة إلى عبد الطيف اللعبي
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
الولد الدائري
مرثية الموت البطيً: إلى والدتي التي تموت موتا بطيئا، رمز الصمود والتحدي
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية مركبة
وردة للزمن المستحيل
أول الجمرات مهداة إلى صديقي و أخي د. عبد جاسم الساعدي
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
وردة للزمن المستحيل
وردة للزمن المستحيل
إهداء عنواني
مكون زمني ووصفي
جملة اسمية بسيطة
وردة للزمن المستحيل
أناشيد للتعب البربري
إهداء عنواني
مكون وصفي
جملة اسمية بسيطة
وردة للزمن المستحيل
آخر الأنبياء إلى سعدي يوسف
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
الأناشيد و المراثي
مرثية للأشياء الصغيرة (إلى روح صداقة قديمة)
إهداء الحاشية
مكون وصفي
جملة اسمية بسيطة
الأناشيد و المراثي
قصائد مهداة إلى السياب
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
الأناشيد و المراثي
ورقة من السنة الثامنة إلى الطفلة رشا التي قتلت في الحرب العراقية الإيرانية
إهداء الحاشية
مكون حدثي و شخوصي
جملة اسمية مركبة
الأناشيد و المراثي
مرثية لمجنون سيناء:إلى روح سليمان الخاطر
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
مرثية البنفسج و الياسمين إلى روح الشاعر أحمد المجاطي
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
قصائد لم تعرف الصمت إلى الغائب الحاضر الشاعر الفلسطيني عبد الفتاح محمد
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
طائر فاس إلى الشاعر محمد السر غيني
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
دبي إلى أبي قبل أن يموت
إهداء الحاشية
مكون شخوصي وحدثي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
وجدة إلى روح أبي بعد أن اكتملت الدائرة
إهداء الحاشية
مكون شخوصي و حدثي
جملة اسمية مركبة
مدن الرماد
إلى سيف الرحبي
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
إلى علوي الهاشمي
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
إلى سعدي يوسف
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
إلى حسن الأمراني
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
إلى أرتير رامبو
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
مدن الرماد
الخروج من الربع الخالي: إلى طلبتي بسلطنة عمان و إلى سيف الرحبي ومحمود الرحبي و طالب العمري: فقد كانوا ملح إقامتي هناك.
إهداء الحاشية
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
تحولات يوسف المغربي
حاشية ليوسف المغربي
إهداء عنواني
مكون شخوصي
جملة اسمية بسيطة
يتبين لنا من هذا الجدول أن الشاعر يوظف أربعة أنماط من الإهداء:
1- الإهداء العنواني الخارجي (الديواني)
2- إهداء التصدير أو التقديم
3- الإهداء العنواني الداخلي
4- إهداء الحاشية
ويضم الإهداء لدى الشاعر مجموعة من المكونات التي تذكرنا بالخطاب السردي (الأحداث-الشخصيات – الفضاء الزمكاني- الأوصاف و الأحوال...)؛ مما يجعل منه نصا قصصيا أو حكائيا يحدد سياق الديوان أو النص ويدعم دلالاته و يؤول علاماته ودواله اللغوية و البصرية. ويرد الإهداء في شعر عبد الرحـــــمن بو علي في شكل جملة اسمية بسيطة و مركبة. وقد تتحول هذه الجملة الاسمية المستقلة بنفسها إلى نص قصير كما هو الحال في قصيدته (الخروج من الربع الخالي) من ديوانه (مدن الرماد). ومن المكونات المهيمنة في الإهداء المكون الشخوصي الذي يظهر جليا في اختيار أسماء الأعلام على أساس مواثيق معينة وهي:
1-الميثاق العائلي: إلى أبي - - إلى والدتي -...
2-ميثاق الأخوة و الصداقة: إلى صديقي و أخي.عبد جاسم الساعدي...
3- الميثاق السياسي: إلى شهيد المحرر: عمر بن جلول...
4- الميثاق النضالي: إلى روح سليمان الخاطر...
5- الميثاق الإنساني: إلى ب. م الإنسان الذي قضى ردحا من الزمان في المعتقل...
6- الميثاق الأدبي: إلى سعدي يوسف، إلى السياب، إلى محمد السرغيني، إلى أحمد المجاطي، إلى حسن الأمراني، إلى أرتير رامبو...
7- الميثاق التربوي: إلى طلبتي بسلطنة عمان...
هذا، وإن الإهداء عند الشاعر غيري و ليس ذاتيا ؛ كما أن هذا الإهداءالغيري يتخذ طابعين : طابعا خاصا (الإ هداء العائلي و الإخواني)، وطابعا عاما ( الإ هداء الأدبي والسياسي والنضالي...).و يرد المهدى إليه الشخوصي في النصوص فرديا( إلى سعدي يوسف)، وجماعيا (إلى طلبتي بسلطنة عمان وإلى سيف الرحبي و محمود الرحبي و طالب العمري). ويلاحظ كذلك أن المهدى إليه الشخوصي محدد بمسميات علمية ، وفي بعض الأحيان غير محدد(إلى روح صداقة قديمة) . وتتخذ هذه المسميات العلمية رموزا أدبية( سعدي يوسف، حسن الأمراني ،أحمد المجاطي ، محمد السرغيني)، وسياسية وطنية( عمر بن جلول، عبد اللطيف اللعبي...)، و قومية (سليمان الخاطر)، و إنسانية( إلى الطفلة رشا التي قتلت في الحرب العراقية الإيرانية)، و عالمية( قصيدة لعيون غيفارا).وتحضر مكونات إهدائية أخرى كالمكون الزمني( وردة للزمن المستحيل)، والمكون المكاني (أغنية قصيرة جدا لبيروت الوطن)، والمكون الوصفي والحالي( رسائل حب إلى الحزن الريفي – خطاب إلى سيدتي السمراء...)، والمكون الحدثي( إلى الطفلة رشا التي قتلت في الحرب العراقية الإيرانية- إلى روح أبي بعد أن اكتملت الدائرة...).
وإذا تأملنا كذلك بعض الملفوظان الإهدائية سنجدها مقترنة بحيثيات الكتابة والنشر، أي أن الإهداء مرتبط بزمانه و مكانه، مثل: إلى سعدي يوسف(الرباط، 1983)، إلى الشاعر محمد السر غيني (وجدة ماي 1996)؛ لكن تبقى بعض الإهداءات خالية من الزمن والمكان مثل:(مهداة إلى ب.م الإنسان الذي قضى ردحا من الزمان في المعتقل) من ديوان: أسفار داخل الوطن.
وإذا عرفنا طبيعة المهدي ( الشاعر عبد الرحمـــن بوعلي الأستاذ الجامعي والمترجم والناقد)، والمهدى إليه بكل مكوناته و طابعه الغيري؛ فإن المهدى يتخذ عد ة مظاهر: إذ يصبح قصيدة شعرية، وخطابا، ومرثية، وأغنية، ورسائل حب، وأناشيد، وحاشية.و هذا ما يجعل الإهداء لدى الشاعر يتخذ طابعا وجدانيا رومانسيا قوامه الرقة الشاعرية والإحساس النبيل و التدفق الشعوري الممزوج بالألم والأمل.
و قد يكون للإهداء على المستوى الدلالي و التداولي علاقة نصية جوهرية مع النص، فإذا أخذ ناعلى سبيل المثال قصيدة (ورقة من السنة الثامنة)المثبتة في ديوان( الأناشيد والمراثي)-13-، فمن الصعب أن يتفاعل معها المتلقي دون الاستعانة بالإهداء الذي يحدد سياق القصيدة ويضمن لها اتساقها و انسجامها الدلالي. والعلاقة بين الإهداء والنص في هذه القصيدة علاقة سياقية و حدثية. وهذا ينطبق كذلك على مجموعة من النصوص الشعرية مثل: مرثية لمجنون سيناء: إلى روح سليمان خاطر-14-. وإلى جانب هذه الدلالة السياقية تحضر دلالات أخرى بين الإهداء والنص كالدلالة الرمزية والإيحائية ( طائر فاس – إلى روح صداقة قديمة)، و دلالة التقديم و التصدير (قصائد مهداة إلى السياب)، و دلالة التضمين و الاقتباس التناصي ( إلى أرتر رامبو)، بالإضافة إلى دلالات الإحالة والتمطيط والتماثل والانعكاس والتوليد الحدثي...
و إذا كنا سالفا قد تحدثنا عن إهداء العمل la dédicace d’ouvre الموجه إلى القارىً المتلقي لهذا العمل الأدبي، فإن هناك إهداء آخر يسمى بإهداء النسخة (La dédicace d’exemplaire) يحمل توقيع الشاعر الشخصي الذي يحيل على كتابته الرقيقة الذاتية و إحساسه تجاه المهدى إليه الغيري والعلاقة الموجودة بينهما.
و يتمظهر إهداء النسخة أثناء تقديم الشاعر لعمله و توقيعه في معرض الكتاب أو دار الثقافة أو مكتبة عامة و خاصة و أثناء بيعه وإهدائه لأصدقائه سواء أكانوا قراء عاديين أم نقادا مثقفين أو دراسته في مجمع علمي أو جامعة أو كلية...
و يحمل إهداء النسخة غالبا توقيع المهدي بطريقة شكلية عفوية مقترنا بصيغة الصداقة و المحبة و الاحترام و التقدير للمهدى إليه، و قد يردف بالزمان و المكان كما هو الشأن في هذا الإهداء الذي يستند إلى الميثاق الأدبي و النقدي بين الشاعر و الأستاذ الناقد عبد الله شريق.-15- و قد ورد إهداء النسخة في الصفحة العنوا نيةالأولى:
إلى الأخ المحترم
الناقد عبد الله شريق
مع محبتي و تقديري
عبد الرحمـــــــــن بوعلي
وجدة في 27/2/04
التوقيع
و خلاصة القول: إن الإهداء عتبة ضرورية لفهم النص و إعادة تركيبه؛ لأنه يحدد سياق الديوان ونصوصه الشعرية و يبرز دلالاته الإيحائية والمرجعية، كما أنه مدخل أساسي لاستيعاب مضامين القول الشعري و تحديد دواعيه و بواعثه. و الإهداء ليس عتبة شكلية مجانية؛ بل لها عدة وظائف دلالية و تداولية تسعفنا في مقاربة النص الشعري و تأويله. وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة أن عبد الرحمـــــن بو علي يشتغل على إهداء العمل وإهداء النسخة، وأنه يوظف الإهداء العنواني الديواني والنصي وإهداء التصدير وإهداء الحاشية. ويلاحظ أنه يعمم إهداء الحاشية في معظم دواوينه الشعرية. بيد أن الإهداء لدى الشاعر غيري و ليس ذاتيا ، يغلب عليه الإهداء الشخوصي الخاص و العام على أساس عدة مواثيق تواصلية ولاسيما الميثاق العائلي و الإخواني و الأدبي و السياسي الوطني.
الهوامش:
1- د. شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص: 22؛
2- Gérard genette : Seuils, éd. .Seuil, 1987, p : 110 ;
و قد خصص للإهداء ثلاث و عشرين صفحة من: 110-133.
3- ألكسندر ستيبتشفيتش:تاريخ الكتاب، ج 2، عالم المعرفة، العدد 170، ص: 228؛
4- شربل داغر، الشعرية العربية الحديثة، ص: 22/23؛
5- Gérard Genette : Seuils, p : 123 ;
6- عبد الفتاح محمد: قصائد على الحدود، المطبعة المركزية، وجدة، المغرب, ط1، 1984،ص: 7؛
7- فاطمة عبد الحق: زمن الانتظار، المطبعة المركزية، وجدة، المغرب، ط1، 1995، ص: 3؛
8- عبد الرحمن بوعلي: أسفار داخل الوطن، مطبعة الدار البيضاء، ط1، 1677، ص: 3؛
9- عبد الرحمن بو علي: وردة للزمن المستحيل، المطبعة المركزية، وجدة المغرب، ط1، 1984؛
10- عبد الرحمن بوعلي: الولد الدائري، مطبعة بغداد، ط1، 1984؛
11- عبد الرحمن بو علي: الأناشيد و المراثي يليها مدن الرماد، منشورات مجلة ضفاف، مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، ط1، 2004؛
12- عبد الرحمن بو علي: تحولات يوسف المغربي ، منشورات مجلة ضفاف،مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، ط1،2003؛
13- عبد الرحمن بو علي: الأناشيد و المراثي يليها مدن الرماد، ص: 70؛
14- عبد الرحمن بو علي: نفسه، ص: 76؛
15-عبد الرحمن بو علي: تحولات يوسف المغربي، النسخة التي أهداها الشاعر لعبد الله شريق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق