السيدات والسادة ضيوف عكاظ وجدة الرابع من شواعر وشعراء وباحثين ومنقبين في القصيدة العمودية ودارسين لشعر المرحوم محمد الحلوي وشخصه ومحتفين بالشاعر عبد العزيز سعود البابطين، ومبحرين في دنيا الكلمة الشاعرة من أساتذة وطلبة وطالبات، ومن عاشقين للشعر... إنه ليوم سعيد، مشرق بالشعر، وعاطر بالبلاغة، هذا اليوم الذي نلتقي فيه في عكاظ الرابع، بعد أربع سنوات خلت، منذ انعقاد عكاظ الثالث، في يوم شبيه بهذا اليوم من أيام أبريل من سنة 2001، لنحتفي ونحتفل فيه بالقصيدة الشعرية ولا شيء غيرها. إنه ليوم ليس مثل سائر الأيام، وهو يوم نستقبل فيه الربيع كما نستقبل الشعر. والربيع والشعر صنوان لا يفترقان، وهو يوم نعيد فيه ربط اللاحق بالسابق. فبعد دورات عقدتها جمعية عكاظ وجدة وبخاصة الدورة الثالثة دورة الشهيد محمد الدرة التي انعقدت يومي 11 و12 أبريل من العام 2001، ها هو عكاظ وجدة ينعقد في دورته الرابعة المنظمة في محور القصيدة العمودية، تكريما لروح المرحوم الشاعر محمد الحلوي واحتفاء بالشاعر العربي الكويتي د. عبد العزيز سعود البابطين. ونحن بقدر ما نعتز بهذه الدورة، نعتز بما مضى وبما سيأتي في المستقبل من الدورات، ذلك لأننا نعتبر مهرجان عكاظ وجدة من العلامات التي تدل على حضارتنا العريقة التي كان فيها الشعر هو ديوان العرب الوحيد، وتدل أيضا على أن الحضارة المعاصرة مهما غرقت في الماديات والتقنيات الحديثة فإنها تحتاج دائما إلى أن تزرع فيها الروح، أو على الأصح تحتاج إلى أن تكون حضارة روحية. والشعر أساس الإنسان مثلما هو الإيمان والعلم. فما أحوجنا إلى أن نوفر هامشا-على الأقل- لنرمم الانكسارات التي تحدثها رجات الزمن المعاصر. وما أحوجنا إلى أن نلجأ في بعض الأحيان إلى الشعر لنجعل العالم أكثر جمالا وصفاء وسعادة وانفتاحا.
لهذا السبب، تأسست جمعية عكاظ وجدة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة قبل أكثر من عقد، ولهذا السبب، تواصل هذه الجمعية مسيرتها الثقافية والإبداعية، لتكون في حجم ما نرغب فيه، رغم العثرات والإكراهات.. ورغم الهامش الصغير الذي يعطيه مجتمعاتنا العربية للثقافة والأدب والشعر، في عالم طغى فيه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على الثقافي.
هذه الدورة تأتي لتطرح للدراسة محورا هاما من محاور أدبنا التي تهتم بها جمعيتنا، ذلك هو محور القصيدة العمودية التي رغم تبدلات العصر، تبقى حاملة لهمومنا، وبليغة من حيث الشكل في بناءاتها. ورغم أن البعض يرى أن العصر قد نجاوزها، فاسمحوا لي أن أقول لكم: إنني لست من هؤلاء، وأنني عندما أقرأ أو أستمع إلى بعض نصوصها أجدني وكأنني أفارق العالم اليومي والعادي، لأسكن في عالم آخر، لا أستطيع أن أصفه. إن القصيدة العمودية، مهما كان القول فيها، تبقى سيدة العالم الشعري.
وبما أن القصيدة العمودية في القرن العشرين هي محور هذا المهرجان، فإنها لا يمكن أن تكون أو تتحقق إلا من خلال أصواتها التي أبدعتها. وعلى رأس هذه الأصوات يأتي صوت الشاعر المغربي الكبير المرحوم محمد الحلوي الذي كنا –حين ينشر قصائده على صفحات الجرائد والمجلات المغربية-نقرأها بانتباه شديد، ونعيد قراءتها من جديد..ونعيد قراءتها، فنعجز بعد قراءتها على أن ننبس ببنت شفة. ونصل إلى النتيجة المنطقية، وهي أن الشاعر محمد الحلوي كان كبيرا في إبداعه الشعري، كبيرا في شخصه، كبيرا في الهم الذي كان يحمله، كبيرا في المساحة المخصصة له. وليس هذا فحسب، بل إننا نعتبر الشاعر الحلوي من أكبر الشعراء العرب في القرن العشرين. والدليل على ذلك أنه كان محبوبا من لدن كل الشعراء سواء كتبوا القصيدة العمودية أو القصيدة الحديثة. ثم إنه كانت له صولات وجولات في مجال الشعر، وفي مجال السجالات، وكان واحدا من بين شاعرين اثنين نالا جائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين.
كل هذا جعلنا في جمعية عكاظ وجدة، نقرر تكريم هذا الشاعر الكبير، وهذا قبل أن توافيه المنية يوم الجمعة 11 ذي القعدة 1425 الموافق 24 دجنبر 2004.
وبجانب هذا التكريم، تحتفي جمعيتنا بشاعر عربي كبير آخر، من شرق وطننا العربي، هذا الشاعر الذي لم تلهه الحياة ومتاعها ولم تبعده كل مباهج الكون ومادياته عن الشعر، والذي يعترف أنه لم ينشر شعره في دواوين، إلا "بإلحاح الإخوان والأصدقاء"، وإلا "لاعتزازه السامي بالشعر، ولمحبته المتدفقة للشعراء"، والذي يعطف على جمعيتنا وعلى الجهة الشرقية كلها، لدرجة أنه قطع المسافات ليكون ضيفا على وجدة في الدورة الثالثة التي انعقدت في العام 2001، والذي اعتذر في آخر لحظة عن حضور هذه الدورة لأسباب قاهرة لولاها لكان بيننا ضيفا عزيزا مكرما. هذا الشاعر الكبير هو د. عبد العزيز سعود البابطين الذي أسس أكبر مؤسسة ثقافية في العالم العربي هي مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين تحتفي بالشعر والشعراء في مهرجان كبير يعقد كل سنتين، آخرها عقد بقرطبة في العام 2004 والمهرجان المقبل سيعقد في باريس في العام 2006. ولن نكون مجانبين للصواب ولا مبالغين إن قلنا إن هذا الشاعر يستحق الاحتفاء، بل ويستحق أكثر من هذا الاحتفاء.
وفقنا الله جميعا.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] كلمة افتتاح مهرجان عكاظ وجدة الدورة الرابعة- -14 و15 أبريل 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق