إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 1 مارس 2008

المشهد الثقافي بالمغرب : من خلال جهود وزارة الثقافة

المشهد الثقافي بالمغرب : من خلال جهود وزارة الثقافة
رؤية لواقع الحصاد الثقافي
د. عبد الرحمن بوعلي
-1-
انقضى الموسم الثقافي (2005) أو كاد، وبدأت ملامح صيف ساخن تتأكد وتسحب على المشهد الثقافي غلالات من التوهج والحرارة. ولا شك أن الوقت قد حان لوضع تقييم لما تحقق في هذا المشهد.
ومما لا شك فيه أن الكتاب والمثقفين المغاربة اليوم أو على الأقل الأغلبية منهم لا يختلفون في أن المشهد الثقافي بالمغرب الذي ظل مريضا بعد عقود من الإهمال المقصود وغير المقصود، قد بدأ يتماثل للشفاء. فقد دبت الحركة في شرايينه بعد أن ضخت فيه دماء جديدة.
ولا شك أن تصوير المشهد الثقافي بالمغرب من قبل البعض بأنه مشهد يلفه السواد هو من قبيل المبالغة التي لا تصمد أمام التطور الكبير الذي شهده المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة. ولعل وصف هذا المشهد بهذا الوصف من قبل البعض تحكمه ملابسات لا تخفى على اللبيب، ولا نريد التفصيل فيها، وهي من قبيل الملابسات التي تصدر عن نفوس لا تعرف إلا الهدم بدل البناء. ولقد كان من واجب المثقف المغربي (وهو ما لم يفعله إلا لماما للأسف) أن يتساءل على الأقل بهدف إبداء حكم موضوعي على ما تحقق. وكان عليه أن يقف على جانب الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة، سواء في ميدان الإشعاع الثقافي وإعادة الاعتبار إلى الثقافي في معناه الواسع، أو في ميدان النشر والإنتاج الثقافي بمختلف ألوانه وأنواعه وأجناسه، أو في ميدان دعم الثقافة ماديا ومعنويا ونشرها وترويجها خاصة في مجال جليل وعظيم هو مجال المسرح، أو في ميدان الأعمال الكبرى الذي ظل المغرب البلد الحضاري والمترجم لحضارة الغرب الإسلامي وشمال إفريقيا، يفتقدها طوال سنوات الاستقلال. وهو الأمر القمين بأن يجعلنا نتفاءل بمستقبل الثقافة بالمغرب التي بدأت تطل على آفاق واسعة لا تترجمها إلا الجهود الكبيرة للمثقف المغربي مبدعا كان أو ناقدا أو مهتما.
-2-
لنقل إننا دخلنا في عهد جديد، هو عهد إيلاء المشروع الثقافي ما يستحقه من عناية تؤكد على الأقل أن الثقافة المغربية ليست دائما ذيلية، وليس من المفروض أن تكون على الهامش لتشهد انهيار المجتمع وتكلسه وانحرافه، وإنما هي مجال حيوي لابد أن يأخذ مكانه الطبيعي باعتبارها تمثل القيم الأصيلة والنبيلة، وباعتبار تأثيرها الكبير والحاسم في الواقع، لكن في شروط لا بد أن تعطي للإنسان كل ما يحمله من معان سامية وقيم نبيلة، وبمعايير ترفض الجمود والتحجر وتعانق التطور والانفتاح وترسم آفاق رحبة.
مثل هذا التصور هو الذي يجب أن يسود نظريا وعمليا وهو الذي كان ينقص الفعل الثقافي الرسمي بالدرجة الأولى والشعبي بالدرجة الثانية، ومثل هذا التصور هو الذي جعل الثقافة الغربية تتطور بخطوات جبارة خلال القرن العشرين على الأقل، وقبل هذه الفترة بكثير، حينما ارتفعت تباشير النهضة الأوروبية المدوية وهي تدعو إلى عصر الأنوار وإلى إعطاء الحرية في التعبير والفعل الإبداعي، ومثل هذا التصور هو الذي جعل الثقافة العربية الكلاسية والقديمة تنتج عظماء من الشعراء والمفكرين والعلماء، في قرون عرف فيها العرب أوج حضارتهم التي اعتمدها الغرب في نهضته، وكان المهاد الحقيقي للنهضة الكبرى التي أنتجت مونتسكيو وفولتير وديدرو وغيرهم. وكل هؤلاء العظماء العرب بنوا لبنات أساسية في صرح الحضارة العربية والاسلامية التي سيؤول أمرها إلى الغربيين الذين لم يرفضوها رفضا مطلقا ولم يقبلوا بها قبولا مطلقا، وإنما تعاملوا معها وبنوا عليها ما أصبح يسمى بالنهضة الغربية، ومثل هذا التصور هو الذي يقود الثقافة المغربية على الأقل في هذه المرحلة إلى اكتشاف قدرتها على نسج نماذج راقية في التعبير والفعل الثقافيين، سواء من خلال جهود المبدعين أو جهود الوزارة.
-3-
وليس هذا الرأي مجرد رأي نرمي به جزافا، أو نريد من خلاله أن نرمي بالورود كما يقول الفرنسيون إلى حيث يتصور البعض، ولكنه رأي ينبني على تشخيص الواقع الثقافي نفسه، هذا الواقع الذي نعيشه ونشاهده، والذي كان تحققه بل وتصوره من قبيل العجائب السبع ومن قبيل المستحيلات في عهود خلت، حين كان الشأن الثقافي يدخل في اختصاصات فقيه نابغة أو تاجر ناجح أو سياسي مخادع. أما وأن الثقافة أصبحت اليوم من اختصاصات من يملك الانتماء العضوي إلى الثقافي، فقد عاد إليها نسغ الحياة وأعطت زهرات بالغة الحسن والجمال. وأما التطور الذي شهده الفعل الثقافي بالمغرب، فيكفي أن نشير إلى بعض مظاهره، وهي مظاهر غنية عن البيان والتعليق.
فأولا: شهدت المطابع ودور النشر حركة دؤوبة في طبع الأعمال الثقافية الإبداعية والفكرية والعلمية، تساهم في إنتاجاها كل الأجيال، من السبعيات إلى التسعينات، إلى الألفية الثالثة... وهو أمر كان لا يطرقه في الماضي إلا من أوتي القدرة على تمويل مشروع كهذا يتطلب التضحية بقوت اليوم والصبر والجلد أمام ملاك المطابع ودور النشر.
وقد أدت هذه الحركة المتواصلة والمتواشجة إلى ظهور إبداعات لم تكن ظروف السبعينات والثمانينات والتسعينات لتسمح بظهورها، للطغيان الكاسح للثقافة المشوهة ولثقافة العكاكيز، وهي إبداعات تعكس التطور الملحوظ والنضج الذي لا يتفاوت فيه السبعيني والتسعيني، وإنما هو قاسم مشرك بينهما.
وثانيا: اهتمت وزارة الثقافة بهذا المجال الحيوي الذي شهد تلاعبا خطيرا خلال عقود طوال بعد أن أصبح يسهر عليها مسؤول شاعر وأديب. وقد تمثل هذا الاهتمام في إسناد مسؤولية المجلات التي تصدرها وزارة الثقافة لمثقفين وأدباء كبار يشهد لهم الجميع بعلو الكعب وبالمراس الثقافي وبالاستقامة التي لاشك فيها. ولا أحد يشك في كفاءة الأستاذ الجليل أحمد اليبوري أو ينكر ما أسداه هذا الأستاذ الجليل والعلم الكبير الذي نعتبره أستاذا للأجيال ونعتبره أحد الرواد الذين أسسوا الأدب المغربي الحديث، وأحد المثقفين الكبار الذين عاشوا بفضل مبادئهم التي آمنوا بها، بدءا من ظهر المهراز حين كان يشغل منصب نائب عميد كلية الآداب، وانتهاء بالرباط حيث ظل يدرس ويشرف ويناقش ويشارك في الندوات والملتقيات. ولا أحد ينكر أيضا ما قام به الأستاذ الناقد عبد الحميد عقار الذي أصدر مجلة جسور في زمن كانت الجسور هي المجلة التي تحمل هموم المثقفين، وكا هو أحد الفاعلين الأساسيين في الحقل الثقافي بالمغرب. وقد استطاع الأستاذان معا اليبوري وعقار بحكم تجربتهما التي اكتسباها في اتحاد كتاب المغرب أو في الجامعة، وبفضل حنكتهما الثقافية المعروفة عنهم، وبفضل انفتاحهما على مختلف شرائح المثقفين والمبدعين من خلال الحوار ،أن يعطيا لمجلتي المناهل والثقافة المغربية وجها جديدا .
وبالإضافة إلى هذا المعطى هناك اهتمام وزارة الثقافة بطبع الكتاب المغربي الذي لم يكن من الممكن أن يحتل موقعا في الساحة المغربية في عهد وزارات الثقافة القديمة. فظهر عدد كبير من الكتب والأعمال الثقافية والأدبية مثل أعمال زفزاف والطبال والصباغ والميموني والميلودي وغلاب وأخربف وأعمال كتاب من أجيال لاحقة تملك موهبة كان من الواجب أن يلتفت إليها وأن تبوأ المكانة التي تستحقها بعد أن عانت من وصاية غير مقبولة لعقود من الزمان.
وليس هذا فحسب ما يمكن أن يحسب لوزارة الثقافة، وإنما من الممكن أيضا أن نشير إلى عملية الدعم التي توليها وزارة الثقافة لمجالات ثقافية وإبداعية، فهناك الدعم الموجه إلى المسرح المغربي، وهو دعم لا يمكن أن ننكر أهميته رغم انتقادات بعض رجال المسرح الذين لم يستفيدوا منه، ونتذكر بالمناسبة كيف أن وزارات الثقافة السابقة لم تكن لتعترف حتى بالمسرح الذي كان واجهة ثقافية وفكرية أساسية ومهمة شكلت تيارا فكريا انتمى إليه كل المبدعين والمثقفين الشرفاء والمرتبطين بحركية المجتمع في السبعينات أيام المرحومين محمد مسكين ومحمد تيمد، بل إن الدعم الذي كان يوجه للمسرح المغربي الهاوي بالمغرب كانت من ورائه وزارة أخرى هي وزارة الشبيبة والرياضة في إطار مهرجان الهواة، وكان قليلا جدا لدرجة أنه كان يبعث على السخرية. من الممكن أن نشير أيضا في إطار الحديث عن الدعم إلى دعم وزارة الثقافة للمهرجانات والندوات الكبرى التي تشهدها مناطق المغرب، كما يمكن أن نشير إلى دعم نشر الكتاب والمجلة الثقافية.
وفي الأخير لا بد من أن وزارة الثقافة وهي تجسد طموح المثقف المغربي المشروع إلى ثقافة مزدهرة ومتطورة تسعى إلى تدشين مشاريع كبرى مثل المتحف الوطني والمكتبة الوطنية والمسارح الجهوية، والاهتمام بطموحات المثقفين في مناطقهم وجهاتهم التي تمتلك خصوصياتها، ومن جهتنا نؤكد على تأسيس المركز المغاربي للبحث والثقافة والتنمية الذي يطرحه مثقفو الجهة الشرقية باعتبارها جسرا بين أقطار المغرب العربي، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها اتحاد المغرب العربي، وهي مشاريع ظلت مغيبة وغير مفكر فيها لحد الآن. وربما إذا تحققت هذه المشاريع التي هي أكثر من ضرورية والتي ينتظرها المغاربة كلهم، وإذا تم بناؤها في أكثر من مدينة، فقد تعطي للمغرب -كما قال الوزير محمد الأشعري - صورة أخرى، قد تضاهي أو تفوق صورة مصر التي تعج بعشرات المسارح والمتاحف والمكتبات. وحينئذ سيصبح المغرب قبلة للمثقفين العرب الذين كانوا يتجهون إلى القاهرة.
بقيت الإشارة في الأخير إلى أن الثقافة المغربية والمثقفين المغاربة يستحقان كل هذا الاهتمام، وهو اهتمام تزايد في السنوات الخمس الأخيرة، بل والأكثر من ذلك يجب أن يعاد الاعتبار للثقافة المغربية وللمثقف المغربية بمزيد من العقلانية.
فهل ستتحقق هذا الأمنية.

د.عبدالرحمن بوعلي

ليست هناك تعليقات: