إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 2 مارس 2008

قصيدة إيماءات الولد الدائري


إيماءات الولد الدائري
أو ما يشبه السيرة الذاتية



I
آهٍ، لوْ أنني مكثتُ قليلا قليلاً،
لما أفلتْ شمسي قبل أوانها،
لوْ أنني سافرتُ بعيداً بعيداً،
ومددتُ يدي فوق سمائي
أوْ سمائها،
لكنتُ مثل طائرِ النورسِ الذي
نظرتْ إليه سيدةُ ريتْسوسْ الرهيفةُ والجميلةُ
حين نسيتْ وجهَها
على مقربةٍ من البحرِ العظيمْ،
آه، لوْ أنني أصغيتُ لدقاتِ قلبي العليلْ،
حين أقعدهُ مرضُ القصائدِ والخيالْ،
لصحتُ بأعلى صوتي،
مثلما صاح الماغوطُ
الذي لفظ أنفاسهُ الأخيرةَ بين القصيدةِ والحريقْ:
" أيها السائحُ،
أعطني منظارك المقرّب
علني ألمحُ يداً أو محرمةً
في هذا الكونِ تومئ إليّ ".
II
آهٍ، لوْ أنني تذكرتُ الطفولةَ التي
خرجتْ منْ سانْ مارتانْ، المدينة التي قطفتني،
والأيامَ التي راوغتْ فرحي ويأسي
والقصائدَ التي لم أكتبْ والتي لم تكتب،
والرفاقَ الذين خانوا
والنساءَ اللواتي نزلن إلى البحرِ
أوْ إلى المقبرةْ،
والأصائلَ التي لمْ تكنْ غير حلمٍ غائمٍ،
في سماءٍ وطيئةٍ،
لمددتُ مدادي فوق أوراقِ العشبِ
أوأوراقِ الرمادْ،
ولصرتُ نورسا يحطُّ على
كتفِ سيدةِ ريتسوسْ الرهيفةِ والجميلةْ
ويحدّقُ في الصمتِ والفراغْ.
III
آهٍ.. أيّها الولدُ السعيدْ
آهٍ.. أيّتها الأحداقُ المعشوشبةْ
والمروجُ المذهّبةْ
كمْ مرّ من وقتٍ عليَّ
كمْ مرّ من وقتٍ...
وأنا أنظرُ إلى صفحةِ الماءْ
أرسمُ فوقها قلباً وسهماً
وآنيةً من فضةٍ أو نحاسْ،
آهٍ... أيها الولدُ الذي كانْ...
أيها الطفلُ الذي كانْ...
أيها الوطنُ الذي كانْ...
كم مرّ من صيف
وأنا أختلي بنفسي
أرسمُ دوائرَ فارغة وأصرخُ:
ها قد مرّ صيفﹼ وأتى آخرُ،
وبينهما رحل النهارْ.
IV
سأعلّمُ أبنائي كيف ينسون النهارْ
وكيف يكرهون الشعرَ والشعراءْ
وكيف يسبحون في النهرِ بلا أسرارْ،
وكيف يصيدون الأسماكْ
وكيف يسيرون بتوأدةٍ
فوق الأرضِ الفسيحةِ
وخرائبِ المدنِ العتيقةِ والسحاب،
كأنهمْ ملائكة من قصب،
سأعلمهمْ أبجديةً أخرى،
وأغنيات جميلةً،
وكيف يطيرون بعيدا بعيداً
عن كل ضلالة أو وهم.
V
وكما أشتهي ...
سوف يكتبني البحرُ الطويلْ
وينشرني الموجِ بين السعيديةِ وبُورْ سَايْ
وسانْ مارتانْ
وفي لحظةٍ غافيةٍ
سوف أمشي
على رملها
تحت هذا الغمامْ
سأصعد من سلّمٍ
في السماءٍ البعيدةِ
وحيداً كنورسها
سيدةُ ريتسوسْ الجميلةُ والوحيدةْ،
وحيداً
كما أشتهي.
VI
ولأنني بلا مجدافْ
وبلا بوصلةٍ وبلا أحداقْ
ولأنني أوصدتُ أبوابَ حديقتي
بالمزْلاجِ والصلصالِ والفولاذْ
ولأنني توهمتُ المجدَ آتياً
من جهةٍ في الشمالِ
أو من جهةٍ في الجنوبْ
لا من جهةٍ في الشرقْ
أو منْ خللِ الغمامةِ التي
ظللتني
طويلا طويلاً،
كنتُ مفرداً بصيغةِ الغيابْ،
والآن صرتُ
مثل الغمامةِ التي
تظلل الأرضَ التي تحت أقدامي،
تظللها...
كما ينبغي ..
أنْ تكونَ الظلالْ.
VII
آهٍ... أيتها البجعاتُ الآتيةُ من الشرقْ،
أيتها الغيومُ التي تمرّ على جبلِ الكَرْبُوسْ
أيتها الطرق التي تملأ الفراغْ
بين مزرعةِ بُوتانْ القديمةِ
ومعصرةِ الخمرِ القديمةِ في الركادةْ،
آهٍ .... أيتها السهولُ التي تعبرُ العريشْ
ومقهى المغاربةْ،
أيتها الجبالﹸ التي تفصلﹸ بين البحرِ واليابسةْْ
ليس العمرُ إلا ليلةً تمْْضي
وأخرى تجيءْ،
فليحْيا العمرُ الذي سيأتي..
ولتحْيا الخلوةُ الرّائعةْ.


السعيدية: مارس 200


ليست هناك تعليقات: