إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 24 مارس 2008

فريد بوجيدة: "حـوار مع الشـاعـر عـبـد الـرحـمـن بـوعـلـي"

حوار مع الشـاعـر عـبـد الـرحـمـن بـوعـلـي
هناك حركـة شعرية بالـمغرب الشرقي لم يلتفـت إليها النقـد


أجرى الحوار: فريد بوجيدة*

يشكل المشهد الشعري بالمغرب جزءا لا يتجزأ. لذلك لا يمكن توصيفه إلا من خلال مقاربته من جميع الزوايا.. وبالرغم من كون خريطة الشعر لا حدود لها ليس على الصعيد الوطني فحسب، بل على الصعيد العالمي كذلك، فإن منطقة المغرب حافلة بعطاءات غنية عن التعريف. من هنا تأتي أهمية إلقاء الضوء على الحركة الشعرية بالمغرب الشرقي من خلال حوار مع أحد روادها.. يتعلق الأمر بالشاعر عبد الرحمن بوعلي الذي اشتهر بشعره إلى جانب بحوثه الأكاديمية في مجال السرديات على وجه التحديد.. وهذا الحوار معه يبرز أهمية وموقع هذا الشعر "المحلي" على مستوى خريطة المشهد الشعري بالمغرب في مرحلة زمنية محددة، وربما قد تضاف إلى هذه الاعتبارات أسئلة أخرى ما دامت حركة الشعر بمنطقة المغرب الشرقي تعرف تبدلات مستمرة.
ـــــــــــــــــــــ
* في المنطقة الشرقية مؤشرات تدل على انتعاش حركة إبداعية محلية تتمثل في وجوه وأقلام عديدة استطاعت أن تجد لها منفذا في الصحف والمجلات المغربية، إلا أن هذا الإنتاج لا يوازيه انتعاش ثقافي يسم المنطقة ويميزها. كيف يمكن رؤية وتقييم المشهد الثقافي الأدبي عموما، وبالمنطقة الشرقية خاصة؟
- أنا أشترك معك في هذا التقييم العام المتعلق بانتعاش المنطقة الشرقية على مستوى الإبداع الأدبي، وربما أضيف إلى ما قلته شيئا آخر وهو إن الإبداع الشعري والمسرحي بشكل خاص والأدبي والفني بشكل عام وجد في هذه المنطقة بيئة خصبة ساعدته على العطاء، وقد أقول الإضافة، وهذا شيء بثلج الصدر ويدعو إلى الانشراح، مما يجعلنا نأمل إن تتواصل هذه الحركة الفنية والأدبية. ولو حاولنا رصد العلامات الدالة على هذه الحركة فسوف لن تعوزنا الأمثلة، بل سوف نتيه وسط الأسماء ذات الحضور المتميز ففي مجال الشعر هناك عدد لا باس به من الأسماء، وهي ذات مستوى إبداعي جيد جدا، وهي إلى جانب ذلك أثرت على حركة الشعر بالمغرب وان كان النقد لا يلتفت إليها إلا في حالات نادرة، وعلى سبيل المثال اذكر لك بالخصوص تجارب الشعراء الحسين القمري وعبد السلام بوحجر ومحمد لقاح ومحمد بنعمارة ومحمد منيب البوريمي والطاهر دحاني وحموشي سلام وحسن الامراني ومحمد علي الرباوي ومحمد فريد الرياحي ومحمد مكتوب، وكل واحد من هؤلاء ساهم في تأسيس حركة الشعر بالمنطقة. وسواء أكانت بدايته الشعرية ترجع إلى بداية العقد السبعيني أو منتصفه فان الأساس هو مشاركة كل هؤلاء في خلق الجو الثقافي الذي سيدفع بشعراء آخرين من الجيل اللاحق للجيل الذي انتمي إليه. ومن المنطقي أن يحاول الجيل الجديد أن يستفيد من التجربة السابقة وان كان له تكوينه الثقافي والاجتماعي والنفسي الخاص به، وان يحاول أن بخلق لنفسه خصوصيات لا اعتقد أن النقد حاول الالتفات إليها.. ولأنني ذكرت أسماء الجيل السبعيني ليس لمجرد الذكر ولكن للتاريخ ولأرد الاعتبار إليهم فأرى ضروريا الإشارة إلى شعراء الجيل الجديد وليعذرني من لم أتمكن من ذكره فهناك أسماء لها قيمتها في التجربة الشعرية مثل عبد الناصر لقاح ويحي الشيخ والطاهر بن الزبير ومحمد جناتي وعبد الحميد جماهري وحسايني الطاهر ومحمد عبد الصمد بنعيادة وعبد القادر لقاح وعيسى لقاح ومحمد عمارة وغيرهم. وأنا على يقين بان هؤلاء لديهم الكثير من أسباب النجاح الشعري ومن الموهبة، وهم يقرؤون كثيرا ولهم اطلاع واسع على الثقافة العالمية ولا يمكن في رأيي أن ننقص من تجربتهم، فهذه التجربة وان لم تقم بعد مقام تجربة جيل السبعينات أصبحت لها ملامحها الخاصة ووضعت قواعدها على ارض التجربة وحصدوا شيئا من النجاح. لكن لماذا لم تترجم هذه التجربة على الصعيد المحلي؟ ولماذا لم تظهر كانتعاش للحركة الشعرية على ارض الواقع؟ أظن أنه ينبغي أن نكون واعين بالواقع الثقافي في المغرب، وفي الوطن العربي. وكما نعلم فهذا الواقع ليس مزدهرا كما قد يعتقد ويحيل إلى الرتابة والتشظي، وأسباب ذلك أن الهامش الثقافي ضئيل جدا وان الاهتمام بالمسالة الثقافية من قبل من يملكون المسؤولية والإمكانيات منعدم..ز
* ما هو اثر البحث الجامعي ودوره في إضاءة ما هو معتم في قصائد شعراء المنطقة والإنتاج الأدبي عموما؟
- اسمح لي أن ابدي ملاحظة أولية جوابا عن سؤالك، وتتعلق بالبحث الجامعي في المغرب، فهذا البحث فيما اعتقد هو وليد ناشئ رغم عراقة بعض جامعاتنا كجامعتي الرباط وفاس، ولهذا فلا ينبغي أن ننتظر منه الشيء الكثير، هذا من ناحبة أولى، ومن ناحية ثانية اعتقد أن الطريقة التي يتم التعامل بها مع البحث الجامعي فيها سيئ من الاضطراب بل ومن المغالطة، أقول هذا لأنني اقتنعت أن الكثير من الأبحاث التي قدمت سواء في مجال الشعر أو الرواية أو النقد أو المسرح ما كان لها أن تقدم لو توفر الجو العلمي النظيف، كما أن كثيرا من الأبحاث التي وجدت الرعاية وتم نشرها في شكل كتب هي أبحاث مثلها مثل الأبحاث التي لا زالت موضوعة في الرفوف، بل وان بعض الأبحاث التي لم تجد ناشرا يتكرم عليها بالنشر تتميز وتتفوق عن بعض الأبحاث المنشورة.
وجوابا عن سؤالك حول اهتمام البحث الجامعي بشعر المنطقة استطيع أن أقول لك أن شعر هذه المنطقة لا زال لم يلق العناية اللازمة رغم أن بعض الأبحاث أشارت إليه في شكل شذرات، اذكر من تلك الأبحاث بحث ذ. عزيز الحسين في كتابه "شعر الطليعة في المغرب" وبحث ذ. عبد الرحمن حوطش في كتابه "الشعر والثورة". وكلا الكتابين نشرا، أما الذي اهتم بهذا الشعر وقام بدراسته دراسة وافية فهو ذ. محمد علي الرباوي في بحثه "الشعر المغربي المعاصر في المغرب الشرقي"، وللأسف لا زال هذا البحث قابعا في الرف.
هناك اهتمام كذلك بهذا الشعر في أبحاث طلبة الجامعة، خصوصا جامعة محمد الأول وهي أبحاث مهمة، وفي اعتقادي فان هذه الأبحاث باهتمامها بالنصوص الشعرية حاولت أن تقدم هذه النصوص تقديما جيدا وان تقترب من عوالم أصحابها وان تضيء كل العتمات وكل الأنفاق بالإنصات إلى صوت الشاعر في هذه النصوص. هناك بعض الأبحاث التي تعرضت لقضايا ربما لو تعرض لها النقاد لما وصلوا إلى النتائج التي وصل إليها هؤلاء الطلاب..ز ومن هذه الأبحاث أبحاث تعرف أصحابها إلى تجارب الشعراء حسن الامراني ومحمد لقاح ومحمد علي الرباوي والحسين القمري وعبد السلام بوحجر والى تجربتي الشخصية... وأنا اعتقد أن أهم ما كتب عن شعر المنطقة يوجد في هذه الأبحاث.
* لوحظ وجود شعراء من المغرب العربي في مهرجان فاس الشعري الأخير، وهو ما يعتبر عنصرا ايجابيا يساهم في تواصل الشعراء بعضهم ببعض وتنويع عناصر التلقي الشعري لدى الحضور بتباين أو تقارب التجربة الشعرية في كل بلد، وبحكم قرب المنطقة الشرقية من البلدان المغاربية المجاورة هل هناك تفكير على الصعيد المحلي في تعميق هذا التواصل الثقافي الشعري ليشمل المجال الشعري والبحث الأكاديمي في صيغة حلقات عمل وندوات أم أن الأمر بعيد المنال لارتباطه بعوامل تتجاوز ما هو ثقافي؟
- مهرجان فاس الشعري هو مهرجان مثل المهرجانات التي كانت تقام في المغرب. وفي تقديري فان هذا المهرجان وبالرغم من الهالة التي أعطيت له لم يستطع أن يرسخ بعض الثوابت الشعرية والثقافية التي كان من المفروض أن يرسخها باعتباره يجمع شعراء من المغرب وشعراء بعض البلدان العربية، وربما يرجع ذلك في نظري إلى سوء التنظيم الذي سقط فيه المهرجان منذ أول سنة نظم فيها. وأنا اذكر كيف تم استدعاء الشعراء المغاربة إلى أول دورة عقدت لهذا المهرجان وكيف أن إحدى المسؤولات في لجنته التنظيمية -لا علاقة لها بالشعر- حضرت معنا في مهرجان شفشاون وبنوع من السرية وضعت قائمة بأسماء الشعراء المغاربة الذين سيتم استدعاؤهم مستثنية بعض الأسماء اللامعة.ز وهكذا كان أول مهرجان. ثم أضيف شيئا آخر هو أن الدورات التالية كانت تنظم بنفس الطريقة وكان ما كان يهم المنظمين هو فقط أن يعقد المهرجان وان يلتقي الناس وان يتفرقوا.. أما الشعر فذلك أمر آخر، من ناحية أخرى لم أتوصل أنا شخصيا في أي دورة من دورات مهرجان فاس بأي استدعاء هذا مع العلم أنني كنت استدعى إلى مهرجان مكناس الذي كانت تنظمه جمعية البعث الثقافي، والى مهرجان أصيلة الذي كانت تنظمه جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي والى مهرجان شفشاون الذي كانت تنظمه جمعية المعتمد والى مهرجان المربد في بغداد.
بناء على ذلك فانا لا أرى أهمية لهذا المهرجان ما دام يقوم على أسس غير سليمة وما دام يستقطب الأسماء الشعرية كيفما اتفق أما بالنسبة للعمل المغاربي على مستوى التواصل الشعري والثقافي فانا أرى أن العمل في هذا المستوى بات أمرا ضروريا بل وأصبح يفرض نفسه علينا ككتاب ومثقفين وكمسؤولين على صعيد مؤسسات علمية، وانه يشكل الخطوة الأولى التي من شانها أن تقرب بين الآراء والتجارب، ولكن هناك ظروف لا نستطيع أن نتجاوزها في الوقت الراهن، فالمغرب العربي لا زال مفككا خصوصا على المستوى الثقافي وكأنه جزر متباعدة لا رابط بينها والعمل الثقافي هو الذي سيعيد هذا الرابط إلى هذه الجزر، وبرأيي لا بد أن يتحمل المثقفون والشعراء أنفسهم مسؤولياتهم في هذا الاتجاه، أي في اتجاه تطوير العمل الثقافي والاحتكاك الثقافي سواء أكان ذلك عن طريق الزيارات الفردية أو الندوات أو قراءة الأعمال والكتابة عنها.








ـــــــــــــــ
* نشر الحوار بالصفحة الثقافية لجريدة أنوال المغربية عدد الثلاثاء 6/12/1994

ليست هناك تعليقات: