إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 1 مارس 2008

ماجد الحكواتي: حوار مع عبد الرحمن بوعلي 1

حوار مع عبد الرحمن بوعلي
أجرى الحوار: ماجد الحكواتي

بمناسبة فوزه بجائزة مؤسسة البابطين لأفضل قصيدة. وقد نشر الحوار بمجلة الجائزة التي أصدرتها المؤسسة في دورة ابن زيدون بقرطبة – العدد 48 بتاريخ الجمعة 24 شعبان 1425 الموافق 8 أكنوبر 2004. ونحن نعيد نشره لما يمثله من أهمية.

* كيف بدأت مسيرتك الشعرية؟ وإلى أين انتهت؟
- محاولاتي الأولى كانت في أواخر الستينات وبداية السبعينات. كنت كأي شاب في ذلك الوقت أقلد الشعراء المشهورين مثل الشابي وبدر شاكر السياب . وكنت أقرأ كل ما أجده أو يصلني بنهم شديد، بدءا من قصص أرسيل لوبين ومسرحيات توفيق الحكيم والشعر القديم والشعر الرومانسي والشعر الفرنسي.
وبداية السبعينات كانت بالنسبة إلى تجربتي مرحلة أساسية. في تلك الفترة انتقلت من مدينة وجدة الواقعة في الحدود المغربية الجزائرية إلى مدينة الدار البيضاء التي كانت مدينة الثقافة والمدينة الأوروبية بامتياز. وكنت أنا في ريعان الشباب والانطلاق والأحلام، أنا الآتي من الحدود إلى المركز.
ومنذ ذلك التاريخ، وأنا أكتب دون أن أكترث بنتيجة كتابتي..
كانت قصائدي تتراوح بين ما هو ذاتي وما هو سياسي. وفي معظم الأحيان كان السياسي يطغى بحكم الظروف السياسية التي كانت تحيط بي، وكان هذا الطغيان يمنح لقصائدي لونها المباشر والصادم. ثم ما فتئت أن وجدت في داخلي عوالم ثرية جعلتني أكتب شعرا جديدا، تتداخل فيه الأصوات وتشتد وتعلو فيه النغمة الدرامية. وقصيدة تحولات يوسف المغربي هي التجسيد الحي لهذا النوع من الشعر.
أنا الآن في مرحلة قد أدعي أنها جديدة. ولكنها تنحو في اتجاه مسارات أخرى مجهولة أنا الآن بصدد اكتشافها.
* ما المرجعية التي تستند إليها في شعرك؟
- مما لا شك فيه أن الشاعر يحتاج إضافة إلى الموهبة، إلى مرجعية هو ينهل منها، وهي تقوده إلى صناعة ما يكتبه. والمرجعية الإبداعية ليست بالمسألة البسيطة لأنها معقدة ومركبة، بخلاف المرجعية العامة للسياسي أو المفكر أو عالم الاجتماع. وهذا التعقيد يعود إلى كون الشاعر خالقا لعوالم وصانعا لها بالكلمات والخيال. ومن هنا فمرجعيتي هي أولا مرجعية أدبية، أي أن كل ما هو أدب يشكل مرجعا بالنسبة لي. وهي ثانيا مرجعية معيشية ، ولا أقول واقعية فقط، أي أن كل ما يعاش ، سواء في الواقع، أو في الأفكار أو التأملات أو الخيال أو الأساطير أو التاريخ... يؤثر في شعري ويؤثث إبداعي. إليوت أشار بذكاء إلى ذلك حين ربط الفنان بتاريخ طفولته وتاريخ جنسه البشري السحيق. وأنا بصفتي شاعرا، أتحرك ضمن هذه المرجعية والمساحة التي تضرب في الماضي السحيق، العربي والإسلامي والكوني، وتنفتح على الحاضر والآتي.
* هل يتراجع الشعر العربي عن مكان الصدارة للفنون الأخرى الوافدة؟
- للأسف الشديد، نسجل أن الشعر العربي تراجع كثيرا كثيرا. بل ولم يعد له ذلك المكان الصغير في حياتنا. ليس في عالمنا العربي فقط. ونسجل أيضا أن الإبداع بصفة عامة تراجع إلى الوراء. وأنا لست من ذلك الفريق الذي يقول إن الشعر تراجع لصالح الملحمة البورجوازية أو ملحمة الغرب، وأعني الرواية، وإنما أرى أن العالم العربي دخل هوة الاستهلاك المادي. وأن القراءة والاستمتاع بالأدب والتعبير بالأدب ، كل ذلك اصطدم بصخرة التحولات المادية الكبرى التي طرأت علينا في السنوات الأخيرة. ونخاف أن نشهد في المستقبل انقراض هذا الكائن العجيب الذي هو الأدب.
* شاعر الجماهير أم شاعر النخبة، أيهما تفضل؟ ولماذا؟
- أنت تطرح إشكالية تدخل فيما يسمى بنظرية التلقي، سببها خصوصية واقعنا العربي المنقسم على نفسه والمشتت بتعبير المفكر المغربي عبد الله العروي. وكان من الممكن أن يكون الشاعر في نفس الوقت شاعر الجماهير وشاعر النخبة. ولكن للأسف، وبحكم الأمية والتخلف المنتشرين في المجتمع العربي، بقي الشاعر بعيدا عن الجماهير، لا يفهمها ولا تفهمه، وإن كان قريبا منها روحا وفكرا وعاطفة. وفي الوقت ذاته لا يمكن أن نتفق على أن هذا الشاعر هو شاعر نخبة، لأن النخبة نفسها لا تملك من مواصفات النخبة ومحدداتها إلا القليل.
وبالنسبة لي، فإني لا أعتبر نفسي لا شاعر جماهير فقط، ولا شاعر نخبة فقط. أنا شاعر الجميع. وإذا كانت الجماهير لا تفهم شعري فذلك مرده إلى واقعنا المعقد والمهزوم والمتأخر، وإذا النخبة لا ترتقي إلى استيعاب شعري، فلأنها لا تبذل جهدا أكبر للاستمتاع بالشعر.
* بم يختلف الشاعر المعاصر عن الشاعر القديم؟
- هذان الشاعران يتفقان في الصفة، ولكنهما يختلفان من حيث العصر فقط. أي من حيث الأحداث والوقائع التي شهدها الشاعر القديم ويشهدها الشاعر المعاصر. ولذلك فأنا لا أفرق كثيرا بين شعر الحداثة والشعر القديم. كما أنني أكتب الشعر القديم ولكنني لا أنشر ما أكتب، لأنني أتحيز إلى عصري. ثم إنني أشبه كثيرا الشعراء القدامى، أشبة طرفة بن العبد والمتنبي وغيرهما. لكن ما أطرحه في شعري ينبع من عصري.
* هل هناك تعارض بين الذاتية والموضوعية في الشعر؟
- الجانب الموضوعي في الشعر يكمل الجانب الذاتي، والجانب الذاتي يكمل الجانب الموضوعي. والشعر إذا لم يكن يجمع بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، أي إذا كان إما ذاتيا محض أو موضوعيا محض، اختل وسقط. لذلك فالشاعر يحتاج إلى ثقافة واسعة تشكل الجانب الموضوعي، ويحتاج إلى تجربة غنية يستقيها من واقعه العام وواقعه الشخصي.
- ما دور الثقافة في الإبداع الشعري؟ ومتى تكون الثقافة عائقا أمام القريحة الشعرية؟
- كل شاعر يفترض فيه أن يكون مثقفا، وأن يملك نصيبا وافرا من المعرفة. اقرأ تجارب الشعراء الكبار، السياب، إزرا باوند، إليوت، المتنبي، والت وايتمان، لوركا، نيرودا... وستكتشف لديهم كنزا لا يقدر بثمن. ومن جهتي أنا، فأرى أن الثقافة لا يمكن أن تكون عائقا أمام القريحة الشعرية، إذا كان الشاعر يملك موهبة حقيقية.
* ما موقع الشعر المغربي الحديث في الخارطة الشعرية العربية؟
-الشعر المغربي للأسف لم ينل نصيبه من الدراسة لا في المغرب ولا في البلدان العربية، فقد بقي بعيدا عن الأضواء وعن مراكز الثقافة العربية المشرقية بامتياز. والشعر المغربي الجيد لم يمكنه النقد من الطفو على السطح، وإنما ما انتشر منه ليس جيدا بمقاييس الجودة الشعرية، بسبب النقد الإخواني. هذه مسألة أخرى، لكن الأهم أن الشعر المغربي في العقود الأخيرة وبعد أن خرج من العباءة المشرقية، قدم من حيث المستوى تجارب تنافس الشعر العربي في الأقطار العربية الأخرى. وقد حقق مثله مثل التجارب العربية المشرقية طفرات إبداعية لها مقوماتها الخاصة بها.
* ما معيار القصيدة الناجحة؟
- القصيدة الناجحة لا يختلف حولها الناس. ليس بالمعنى الذي ذهب إليه الشاعر القديم )ويسهر الخلق جراها ويختصم( ولكن بمعنى الاتفاق. وكل قصيدة تنجح في صياغة نفسها بالأدوات المعروفة تصبح إضافة من الإضافات. ونجاح القصيدة غالبا ما يكون نتيجة للتكامل بين الذاتي والموضوعي، بين الماضي السحيق والحاضر، بين اللغة والإيقاع، بين الأسلوب والأفكار.. القصيدة الناجحة هي نوع من السحر، أو هي السحر بذاته.

أجرى الحوار ماجد الحكواتي / الكويت
20/09/2004

ليست هناك تعليقات: