إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 1 مارس 2008

المغرب العربي بين الماضي والمستقبل ؟

المغرب العربي بين الماضي والمستقبل ؟
د. عبد الرحمن بوعلي

-1-
لازلت أتذكر وأنا في مقتبل العمر، في تلك المدينة الصغيرة الهادئة - مدينة أحفير- التي كان المستعمر يطلق عليها اسم (مارتان بري دي كيس)، لا زلت أتذكر تلك الوريقات التي كنت أجدها بين أوراق والدي والتي كانت تشد انتباهي إليها بسبب وجود صورة العلم الجزائري عليها. أتذكر أيضا أنني كنت أقلبها، وأنظر فيها، وأقرأ ما سجل عليها من كلمات، وكأن سحرا ما كان يشع منها ليشد انتباهي إليها كل ذلك الشد. لقد كانت تثير اهتمامي وتشعل في نفسي الرغبة والشهية في التعرف عن فحواها ودلالتها ومصدرها. وقد كنت أتساءل ما الغرض منها ؟ ولماذا توجد من بين أوراق والدي ؟ كنت في بعض الأحيان أتلمسها وأحاول أن أقرأ كلماتها ، فأتعرف على خطها الذي كان يشدني إليه بسبب لونه الفاحم وتعرجاته التي تحمل أكثر من دلالة.
-2-
في الحقيقة، لم تكن تلك الوريقات سوى تواصيل عن مساهمة والدي في دعم جبهة حركة التحرير الجزائرية في مسلسل كفاحها الوطني ضد المستعمر الفرنسي. حينذاك كانت الحرب بين الجزائر وفرنسا على أشدها، وكانت الأخبار التي تصلنا تؤكد أن المقاومة الجزائرية لم تكن تهدأ ، وكانت العمليات التي ينفذها المقاومون الجزائريون بمعية المغاربة تصل إلينا ، بل إننا كثيرا ما كنا – بحكم تواجدنا على نقطة التماس بين القطرين الشقيقين - نستيقظ مفزوعين على الأصوات المدوية لانفجار الألغام الأرضية عندما تدوسها أقدام المقاومين أو حتى الرعاة المغاربة الذين ينتشرون في ذلك الجبل العالي المطل بشموخ على البلدة الهادئة أحفير . وحينذاك كان المغرب قد توج نضاله الطويل بنيله الاستقلال وبدأ يخطو خطواته الأولى في اتجاه مرحلة البناء الوطني، وكانت تونس وليبيا في حالة تشبه حالة المغرب، أما موريطانيا فكانت بحكم التاريخ امتدادا للمغرب.
نعم لا زلت أذكر كل ذلك. وأنا الآن أتذكره بكل التفاصيل والعموميات وكأنه من وقائع الأمس القريب. الوقائع التي اختلطت بدقات القلب، ولا زلت أذكر الوقائع والأيام وكأن ما كنت أسمعه وأراه لم تبله الأيام ولم يؤثر فيه الزمن ولا تقلبات السياسات والتوجهات.
-3-
والآن، وقد مرت على تلك الأحداث أكثر من أربعين سنة وقرابة نصف القرن، هي عمر جيل الاستقلال الذي نهض من رماد التاريخ، و قد أصبحت جزءا من الذاكرة الموشومة وبعضا من التاريخ المشترك بين المغاربة والجزائريين فلم يعد ممكنا أن نبقى نراكم الأخطاء تلو الأخطاء. ومن الحتمي -ونحن نجد أنفسنا في زمن آخر بدأنا نطل من خلاله على القرن المقبل، وبدأت تنشأ رغبة عند الجميع بضرورة بناء المغرب العربي – أن يكون كل ذلك الماضي المشترك الدافع الأساس إلى الانخراط في ضرورة الإقبال على إحياء الدعوة إلى توحيد المغرب العربي من ليبيا إلى المغرب ومن المغرب إلى موريطانيا حتى يتجسد ذلك الحلم الكبير الذي ظل ولا يزال يعتبر من أهم أحلام الحركات الوطنية التي نشأت في أقطار المغرب العربي إبان فترات الاحتلال والعسف.
-4-
ولعل أسباب الوحدة والتعلق بتحقيق حلم المغرب العربي الكبير قائمة الآن أكثر من أي وقت مضى، فالعالم أصبح مثل قرية صغيرة تتناقل فيها الأخبار والمعارف والمعلومات عبر وسائط صارت أكثر من ضرورية.
إضافة إلى ذلك فالكيانات الصغيرة لم يعد لها وجود الآن، فالعصر للكيانات ذات الوزن الاقتصادي والعلمي والبشري، ولم يعد هناك مكان للكيانات القزمية وللدول المتخلفة التي تكون في حاجة إلى من يسندها ويدفع بها إلى الأمام. ثم إن الظروف الجديدة التي بدأت ترسم هامشا للحرية والديمقراطية وتخليق الحياة العامة، في المغرب الآن وفي الأقطار الأخرى قريبا، أصبحت هي الأخرى تفرض على المجتمعات أن تتكتل أمام التكتلات وأن تبادر إلى تنمية شاملة وأن تتقدم حتى تضمن مكانها بين الأمم المتقدمة.
وإذن فليس أمام الدول والمجتمعات والنخب المغاربية من مهمة أكبر ولا أخطر من مهمة بناء مغرب عربي موحد وقوي الآن وليس غدا، وما على النخب والأحزاب السياسية والمؤسسات العلمية والمجتمع المدني كله سوى البدء في وضع اللبنات الأولى، دون الخوض في الماضي، ودون مركبات النقص التي تنخرنا.
ويبقى السؤال: هل بالإمكان تجسيد هذا الحلم الكبير بعيدا عن كل الحساسيات المثبطة ؟

ليست هناك تعليقات: